ناهض حتّر
إسرائيل هي التي خربت بيئة البحر الميت، إن سرقتها (المستمرة) لمياه أعالي نهر الأردن، هي التي حرمت وتحرم البحر الميت (المتلاشي) من التزود الطبيعي بالمياه، واضطرت سورية والأردن إلى الإفادة من نهر اليرموك وروافد الأردن الأخرى، للحصول على بعض الحصة العربية من مياه حوض الأردن… فمات النهر…. ويموت البحر (الذي هو أعجوبة الطبيعة المبدعة في الإقليم الأردني-الفلسطيني) بانخفاض مساحة مسطحه المائي من 900 كم إلى 650 كم!
***
إسرائيل كيان غير طبيعي في منطقتنا. ولذلك، فقد كان لقيامها واستمرارها أسوأ الآثار على الطبيعة. وهل هناك جريمة أكبر من استقدام ملايين المهاجرين من المناطق الرطبة كثيرة المياه إلى منطقة جافة شحيحة المياه، ومن ثم تزويد هؤلاء المهاجرين بمياه ليست لهم-على أرض ليست لهم-وبحصة اغتصابية للاستهلاك بالمعايير الأوربية.
***
لقد كان على الوفد الأردني-في رأينا-أن ينقل هذه القصة السوداء إلى قمة الأرض في “جوهانسبرغ”. ولكنه، بدلاً من ذلك، عرض مشروعاً لإنقاذ البحر الميت… بالتعاون مع إسرائيل!!؟
***
المشروع، بحد ذاته، ضرورة بيئية واقتصادية للأردن، ولكن بشرط أن يكون أردنياً 100 بالمئة: قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت عبر الأراضي الأردنية لن تنقذ البحر الميت فقط، ولكنها ستزود الجنوب كله بمياه كافية للاستهلاك المنزلي والزراعة والصناعة وإنتاج الطاقة الكهربائية والسياحة…. إلخ.
والسؤال: لماذا الإلحاح على الشراكة مع إسرائيل؟
… إذا كان الهدف هو استقطاب تمويل دولي. فهذه جربناها منذ الـ 1994 وكانت حصيلتها صفراً مدوراً. ولعل لدينا من الخيبات ما يحفزنا إلى استئصال عقلية الاستعانة بإسرائيل من أجل مخاطبة العالم حول مشاريعنا. لن يدفع أحد لنا فلس أحمر تحت يافطة «السلام» والتعاون الإقليمي… وإلى ما هنالك من شعارات الـ 94 الخائبة. القطار واقف. فلماذا تصرّون على إضاعة الوقت بالجلوس فيه؟!
***
بالمقابل، اعترضت مصر وسورية وفلسطين-عن حق-على المشروع الأردني-الإسرائيلي. أولاً، لأنه يتعارض مع قرارات القمة العربية في بيروت بمقاطعة إسرائيل؛ وثانياً، لأنه من غير المعقول أن تتبنى المجموعة العربية مشروعاً مع إسرائيل التي-عدا عن احتلالها المستمر للأراضي العربية-تمارس يومياً أبشع المجازر الوحشية ضد الفلسطينيين، تقتيلاً واعتقالاً وتجويعاً!!
وأحياناً… أفكّر بأننا نتخذ مواقف أكثر من خاطئة: فمشروع أردني-إسرائيلي، الآن، لا يجلب لنا التمويل الدولي… بل معارضة العرب… وتهشيم صورة الأردن عند الشعوب العربية.
***
متى نتخلص من هوس العلاقات الثنائية مع إسرائيل؟! متى ندرك أنه من المستحيل القفز فوق الصراع العربي-الإسرائيلي… لإقامة علاقات ثنائية مع العدو؟! ويمكن أن تكون «طبيعية»؟! ويبتلعها العرب؟! وأي معنى لأن يكون الوفد الأردني ضد إسرائيل المحتلة… ومع إسرائيل «الجارة» يسوّق معها مشروعاً مشتركاً؟!
قناة البحرين نريدها أردنية 100 بالمئة
لو ذهبنا إلى «جوهانسبرغ» بمشروع أردني 100 بالمئة لشق قناة البحر الأحمر-البحر الميت، لأيده العرب حتماً… ولكان الصوت الأردني-المدعوم عربياً-عالياً في قمة الأرض: أنقذوا البحر الميت! ولاستمعت وفود دولية كثيرة إلينا بانتباه. ولكننا آثرنا التقدم بمشروع ثنائي مع إسرائيل. هكذا تحول الانتباه من القضية نفسها (خراب بيئة البحر الميت) إلى قضية سياسية من الدرجة العاشرة، وإلى مماحكة أردنية-عربية حول المشروع من شأنها، بالطبع، أن تضعفه دولياً، وتضعه على الرف، فالعالم ينظر إلى المنطقة ككل، ولا أحد، عاقلاً، في هذا العالم يمكنه أن يقبل المنطق الأردني الرسمي بالقفز عن الصراع العربي-الإسرائيلي المستمر إلى مشاريع مشتركة مع إسرائيل؟!
***
ولو كان المشروع أردنياً 100 بالمئة ومدعوماً من العرب… لكان بإمكاننا أن نطرحه بمعزل عما يجري في المنطقة… علماً بأن المشروع يمكن أن يصبح محور الحياة الأردنية والنهضة الأردنية، في العقد القادم: يحشد القوى الاجتماعية والاقتصادية الأردنية، ويبث الحياة في شرايين الاقتصاد الوطني، ويجتذب آلاف وآلاف الشباب للانخراط في قضية وطنية. وكل هذا سوف تعصف به المشاركة الإسرائيلية. فشعبنا-مثل الشعوب العربية-يرفض التعاون مع إسرائيل… وينظر بقلق إلى الشراكة معها… وهو ما سيشل مساهمة المجتمع الأردني في «المشروع»… ويحوله من محور للإجماع الوطني إلى محور تهديم وفرقة ومخاوف.
***
لماذا مشاركة إسرائيل؟
لأسباب فنية؟ هذه يمكن معالجتها.
لأسباب تمويلية؟ هذا مجرد وهم.
لأسباب سياسية؟ بمعنى أن مشاركة إسرائيل ستضمن موافقتها على المشروع؟ هذه تحتاج إلى وقفة.
لن تعارض إسرائيل مشروعاً تستفيد منه في النهاية طالما أنها تشاطئ البحر الميت. وهذه الإفادة ستكون نتيجة عرضية وثانوية أمام الخسارات التي تسببها مشاركة إسرائيل في مشروعنا. وهي مشاركة من شأنها إقصاء الأردنيين والعرب من دعم المشروع أو المشاركة فيه.
هل ستعرقل إسرائيل المشروع إذا لم تكن شريكة؟!
سنعتبر هذه العرقلة قضية وطنية… قضية سيادة… وقضية نضال… يبدأ بشن حملة سياسية إعلامية عن دور إسرائيل التخريبي في بيئة بلادنا، وهو ما كان على وفدنا أن يفعله في «جوهانسبرغ» بخصوص البحر الميت.
***
نعم لقناة الأحمر-الميت… بالمال والعقول والسواعد الأردنية، وداخل الأراضي الأردنية. وكمشروع وطني أردني تنصب لإنجازه كل الطاقات الاجتماعية في عملية نهضوية شاملة.
***
جربتم إسرائيل!!!
وجربتم الاستثمار الدولي!!
انظروا… إن الكنز بين أيديكم: جرّبوا الشعب الأردني… مرة سوّقوا قناة البحرين… في الأردن! اجعلوا منها قضية وطنية تستقطب الاستثمار المحلي والمتطوعين والمبادرين وكل قوى المجتمع الحية، فالمشاكل الوطنية… ليس لها الا الحلول الوطنية.0