منذ أن حلّ هنري عزام على رأس إدارة استثمارات ‘الضمان الاجتماعي’، وأنا في حالة مستمرة من القلق والتوتر. أولاً، لسبب شخصي، فقد رتبتُ حياتي على أساس راتب الضمان، بما يمكنني من تنفيذ خطتي في السنوات الباقية لي في الحياة للتفرّغ لمشروعي الأدبي. ولست متيقنا الآن من أن الضمان ستكون لديه الملاءة الكافية لأحصل أم لا على ذلك الراتب التقاعدي. والمؤسف أن كل مخاوفي ( الموثقة في كتابات منشورة) حول إدارة الليبراليين الجدد للاقتصاد الوطني، قد تحققت. وثانياً، لسبب اجتماعي. فمصائر عشرات الآلاف من الأسر الأردنية التي تعتمد أو تخطط للاعتماد على رواتب الضمان التقاعدية، مهددة اليوم على أيدي ليبرالي جديد حل على قلب الحصن المالي الأخير للمجتمع الأردني، وثالثاً، بسبب وطني. فالترتيبات الخاصة ببيع موجودات الضمان في الجهاز المصرفي الأردني للرأسمال الخليجي، سوف تفرض سيطرة الرأسمال الخليجي على القطاع المالي الوطني، في إطار أجندة سياسية بالغة الخطورة، كما ستسيّل تلك الموجودات إلى مئات الملايين التي يسهل الاستيلاء عليها أو هدرها. أنا قلق على مستقبل أسرتي ومجتمعي ووطني.
ومنذ 2005 وشعبنا يخوض، بلا جدوى، معارك متلاحقة ضد رجال البزنس والخصخصة والليبرالية الجديدة. وقد برهنت التطورات الكارثية التي شهدتها وتشهدها المالية العامة للدولة على صحة التوقعات بشأن السياسات المغامرة التي انتهت إلى جملة من ملفات الفساد. وها هو ملف فساد جديد ينشأ ويتكوّن تحت أعيننا. فهل نسكت؟
على أية ‘كوتا’ جاء عزام إلى منصبه؟ ولماذا هو بالذات؟ وما هي اللعبة التي سيلعبها؟ ولماذا الآن؟ وأي قدر هذا الذي يفاجئنا ـ كلما تخلّصنا من مغامر غريب ـ بمغامر غريب آخر، نصبح وإذ به يمسك بواحدة من كبريات مؤسساتنا؟
هناك تساؤلات جدية منتشرة حول وجود مصلحة شخصية لرئيس الوزراء، فايز الطراونة، في تعيين هنري عزام مديرا لاستثمار الضمان. هذه التساؤلات وحدها تكفي للتدخل وإلغاء القرار. لكن استمراره، مع ذلك، يشير إلى أن الطراونة قد يكون مستفيدا من سياسات مقررة بشأن استخدام أموال الضمان في اتجاهات مريبة.
ملف هنري عزام سوف يضرب العملية السياسية برمتها. وهو ما سيصب في مصلحة الأجندة الدولية والإقليمية والمحلية للفوضى الآتية، بينما القوى الوطنية ملزوزة إلى الجدار. فالإصرار على سياسات المغامرة بموجودات البلد والسمسرة والصفقات المشبوهة، يجعل من المستحيل ضبط ردود الفعل الشعبية في مسار آمن.
العرب اليوم