ناهض حتّر
بين القوانين – المكتملة الشروط الدستورية – والتي يصدرها البرلمان، وبين الانظمة والتعليمات – الصادرة بموجب تلك القوانين، من قبل الادارة.. فجوة.. قد تسمح بصدور انظمة تفرغ القوانين من محتواها، او تقلبها، او تشطبها واقعياً. بل وقد تسمح بنشوء هيئات مستقلة مالياً وادارياً، تتحكم بمصائر البلاد… والعباد.
هكذا، مثلاً، يمكن شطب كل الضوابط المؤسسية لادارة أموال الضمان الاجتماعي – البالغة اربعة مليارات دينار – بمجرد قرار اداري باصدار «نظام» يحوّل «المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي» الى مجرد هيئة جباية، تجمع الأموال وتضعها بين ايدي مديري استثمار احرار في صندوق مستقل – وخاضع، ضمناً، لسيطرة رئيس الحكومة و/أو الوزير المعني! -.
الضوابط الحالية على ادارة أموال الضمان الاجتماعي – والتي يُراد شطبها – ليست، بالأساس، كافية. وهي تحتاج الى تحصين في نص القانون، يمنع اصدار أية انظمة تمسّ بالوحدة العضوية «للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي» او تفصلها عن ادارة اموالها واستثماراتها او تخضعها لسيطرة السياسات والاحتياجات الحكومية.
«الضوابط» يجب ان تكون جزءاً لا يتجزأ من نص القانون ولا بد من تعزيزها وتحديدها بوضوح ودقة، وحذف كل العبارات الملتبسة والفضفاضة القابلة للتفسيرات الهوائية من مثل «القيام بأية «!؟» أنشطة استثمارية «؟!» تحقق الاهداف».
كلا. ينبغي ان تكون الضوابط والمعايير الاستثمارية محددة مفصلة تفصيلاً جامعاً مانعاً يؤطر نوعية المشاريع والاستثمارات والشركاء واشكال الشراكة، وحقولها.. الخ.
الى ذلك، فعلى القانون ان يضمن، من دون لبس، خضوع كل القرارات الاستثمارية الاستراتيجية الى انضباط مؤسسي صارم في معاييره واجراءاته ومسؤولياته، مستثنياً القرارات الفردية على أي مستوى.
هل يكفي ذلك؟ لا. فأموال الضمان هي رصيد اجتماعي. وينبغي، اذن، ان تخضع ادارتها الى رقابة المجتمع، وهو ما يتطلب إنشاء لجنة رقابة مركزية موسعة مؤلفة من ممثلين عن مجلسي الاعيان والنواب، والنقابات المهنية والعمالية، والغرف التجارية والصناعية والشخصيات العامة والخبراء.
واذا حظيت هذه اللجنة بصلاحيات قانونية للرقابة والمساءلة، نستطيع الاطمئنان الى ان ادارة اموالنا المدخرة في مؤسسة الضمان الاجتماعي، تتم حسب الأصول، خارج السيطرة الحكومية، وفي عملية شفافة تمنع استئثار فرد او جماعة بالقرار. او الافادة منه.