ناهض حتّر
… ولكننا تقاسمنا اللقمة مع الفلسطينيين دائماً «والمستودعات التموينية والطبية» ليست مستودعات اسلحة! والاستنكار شديد اللهجة لا يصد حمم القصف الوحشي على اهلنا في الاراضي المحتلة! خصوصاً وان العدو الاسرائيلي ادار ظهره باحتقار للعرب المصرين على «استراتيجية السلام»!
ونحن لا نقلل من اهمية قرارات مجلس الوزراء ولكننا لا نفهم سياسة تصغير الاكتاف ولا «شجاعة» الاستمرار في وقف اجراءات اعتماد السفير الاردني لدى اسرائيل… ذلك انه يمكننا ان نفعل اكثر بكثير ضمن موازين القوى القائمة، حتى لو كانت الحكومة ما تزال غير مقتنعة بضرورة اعادة مراجعة مجمل العلاقات الثنائية مع اسرائيل.
.. وحين تسحب مصر سفيرها لدى تل ابيب، وتجمد العلاقات الاقتصادية معها، يكون على الاردن ان يتجاوز هذا الموقف… ليس لانه اثقل من مصر، ولكن لان حجم المصالح المصرية، في سياق «العملية السلمية» بالمليارات وحجم مصالحنا بالملاليم، ثم انه ليس لمصر قضايا خاصة معلقة مع اسرائيل، بينما نحن في اول الطريق بالنسبة لكل قضايانا الرئيسية وفي مقدمتها قضية اللاجئين.
اننا لا نصرخ في مظاهرة ولا نستجدي الشعبية، بل نضع المصالح العليا للدولة الاردنية فوق كل اعتبار ومن هذا المنطلق بالذات نأمل ان يقرأ اصحاب القرار كلماتنا بروح الفهم والتفهم والحوار: ان الاردن يستطيع، وله مصلحة استراتيجية في التصعيد السياسي ضد اسرائيل.
موازين القوى
تسمح موازين القوى المستجدة لعمان باتخاذ الاجراءات التالية (أ) قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل (ب) تجميد شامل (او انتقائي) للاتفاقات الثنائية معها (ج) الاعلان عن رغبة الاردن مراجعة نصوص المعاهدة الاردنية-الاسرائيلية لعام 1994.
هل يعني ذلك كما كتب احد الزملاء منذ ايام، «قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية»؟ اي هل ننتظر في هذه الحالة عقوبات اميركية؟
كلا فالولايات المتحدة الاميركية تعاني ازمتين متصاعدتين الازمة السياسية الداخلية الناجمة عن انهيار نظام الانتخابات الرئاسية ما يشل عملياً، فعالية السياسة الخارجية الاميركية، والى وقت قد يطول لان هذه الازمة لن تجد في النهاية سوى نصف حل اي انجاح رئيس اميركي غير مهيمن ومطعون برئاسته من قبل نصف الاميركيين. وهناك الازمة السياسية الخارجية الناجمة عن انهيار «العملية السلمية» في الشرق الاوسط، ما ادى الى تراجع ملموس ومستمر في الهيمنة السياسية الاميركية عن النظام العربي الذي استعاد بعض حيويته، وسط مؤشرات متنامية عن سقوط الحصار المفروض على العراق وتسارع نمو العلاقات السورية العراقية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، بالاضافة الى موجة العداء للولايات المتحدة الاميركية التي اجتاحت وتجتاح الشارع العربي.
كل ذلك سوف يجعل واشنطن بحاجة الى الصداقة مع الاردن وليس العكس فالولايات المتحدة احوج الينا الان من اي وقت مضى وهي ارشد من ان تقامر باستعداء الاردن-وهو صديق تقليدي لها في المنطقة المرشحة لانفجار مضاد للهيمنة الاميركية.
واسرائيل من جهتها لن تستطيع ان تفعل شيئاً ضد الاردن، فهي اولاً تغرق في وحول عدوانها على الشعب الفلسطيني وهو عدوان وحشي ولئيم ولكنه بدون افق سياسي ولذلك فان مآله الهزيمة ويستطيع المراقب السياسي ان يلاحظ ان اسرائيل بالرغم من تفوقها العسكري-ينهكها شلل عميق ازاء تنفيذ تهديداتها ضد لبنان-الذي وجهت مقاومته ضربات موجعة لجيشها وهيبته وسورية التي تدعم المقاومة اللبنانية سياسياً ولوجستياً وعسكرياً وتتبنى مواقف تصعيدية ازاء التحالف الاميركي-الاسرائيلي بما في ذلك التنسيق الشامل مع العراق.
وبهذا الشلل نفسه ستواجه تل ابيب اجراءات عمان، واذا افترضنا ان هذا التحليل خاطئ وان اسرائيل ستشن حرباً على لبنان وسورية فهل سيكون الاردن في منأى عن هذه الحرب ومفاعيلها وظلالها سيما وانها -اي الحرب تلك-لاشعال فتيل انفجار اقليمي شامل تشارك فيه بغداد وطهران وربما السعودية عداك عن الالتزام المصري المعلن بان القاهرة لن تقف مكتوفة الايدي اذا اعتدت اسرائيل على سورية!
المصالح الفلسطينية
بيد ان زميلاً اخر، كتب منذ ايام ان الاردن كان مستعداً لقطع علاقاته مع اسرائيل «لكن الجانب الفلسطيني طالب بقوة بابقاء علاقات الاردن باسرائيل مشيراً الى انه لولا الجسور الاردنية المفتوحة مع اسرائيل لتم خنق الانتفاضة من اول ايام اندلاعها» !!
.. واذا كنا نعلم ان الجسور الاردنية كانت دائماً ويا للاسف مفتوحة مع الاراضي المحتلة منذ حزيران 1967، فان السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تصنع السياسة الاردنية في غزة… ام في عمان؟! وهل نبني هذه السياسة على اساس تكتيكات السلطة الفلسطينية ام انطلاقاً من مصالحنا الاستراتيجية؟
في «كامب ديفيد»، قدم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كل ما يستطيعه من تنازلات آملاً بالتوصل الى حل نهائي معقول وهذه التنازلات شملت ثلاثة مجالات: الارض (20 بالمئة من مساحة الضفة الغربية) والسيادة (تأجير اراضي في الاغوار والمرتفعات الفلسطينية لمصالح امنية وعسكرية واقتصادية اسرائيلية) والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني (عودة اللاجئين) عداك عن القبول بالابقاء على هيكل التبعية الاقتصادية للاراضي الفلسطينية نحو الاقتصاد الاسرائيلي.
وقد رد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك على هذه التنازلات بالسماح لزعيم المعارضة الاسرائيلية ارئيل شارون بزيارة الاقصى، وبقتل المئات وجرح الآلاف من ابناء الشعب الفلسطيني الذي ثار ليس فحسب ضد اسرائيل ولكن ايضاً ضد التنازلات ومن نافل القول انه بالرغم من الوحدة الظاهرة لكل الفلسطينيين تحت القصف، فان السلطة الفلسطينية ما تزال تأمل بالتفاهم مع اسرائيل على حل معقول بينما الجماهير الفلسطينية تنزف ببطولة، لكي تكتب بالدم… الحل المرحلي العادل، ولو كانت هذه الجماهير تريد ان تأكل وتشرب وتتقي الموت… افما كانت تستطيع؟!
الشعب الفلسطيني لا يتعرض الآن لكارثة طبيعية بحيث ندعمه بالغذاء والدواء، ولكنه يتعرض لعدوان ذي اهداف سياسية ولا بد من لجمه سياسياً ولذلك فاننا نرجح ان تصعيداً سياسياً نوعياً ضد اسرائيل هو الذي يخدم الانتفاضة واهدافها ويوفر الحماية للشعب الفلسطيني… لا مستودعات التموين والادوية!
المصالح الاردنية
بيد ان ما يهمنا بالدرجة الاولى هو المصالح الوطنية الاردنية:
لقد وقعنا مع اسرائيل في ظروف صعبة وعلى استعجال وبدون رؤية وانتباه معاهدة سلام وجملة من الاتفاقات الثنائية تنتقص من الحقوق الاردنية وتجور على مصالح الاردن… وان الانتفاضة الفلسطينية في ظل انهيار العملية السلمية والتراجع السياسي الاميركي وبدء استعادة العراق لحضوره ودوره تشكل مناسبة ثمينة ينبغي عدم التفريط بها، لمراجعة تلك المعاهدة والاتفاقات بما يضمن حقوقنا ويحافظ على مصالحنا.
ونحن نقترح قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل او تجميد الاتفاقات الثنائية معها، الان تضامناً مع الفلسطينيين، سوى اننا، لدى البحث، مستقبلاً، في اعادتها سوف نطرح مطالبنا الاردنية (١) الغاء «عقود» الايجار والتملك الاسرائيلية المعيبة في الباقورة والغمر(2) استيفاء حقوقنا المائية من اعالي نهر الاردن(3) عودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين الموجودين في الاردن الى ارض وطنهم (4) مقاومة اي حل على المسار الفلسطيني يشمل الابقاء على قوات اسرائيلية في الاغوار والمرتفعات الفلسطينية او يعرقل التبادل الاقتصادي الحر مع الاراضي الفلسطينية.
قرارات حكومية إيجابية ولكن المطلوب أداء استراتيجيالعلاقة مع إسرائيل بين موازين القوى والمصالح الأردنية
Posted in Uncategorized.