تولّى القيادي الشيوعي البارز، الرفيق والصديق قدري جميل، منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في الحكومة السورية الجديدة. وجميل ليس من جماعات اليسار الليبرالي. إنه شيوعي بحق يؤمن بأن الحل يكمن في الاشتراكية. وهو لا يكتفي بهذا الإيمان وإنما يعمل من أجله، سواء بالعمل الحزبي والسياسي أو بالعمل الفكري. وربما كان الرجل من بين مجموعة صغيرة في العالم العربي ممن يقرنون عداءهم للنيوليبرالية بفهم عميق لآلياتها وارتباطاتها الكمبرادورية ومروحة النتائج الكارثية الناجمة عنها على الاقتصاد الوطني والمجتمع والوطن والثقافة والإنسان.قدري جميل، المتخصص الضليع في شؤون الأزمة المتفاقمة للرأسمالية العالمية، ليست لديه أوهام حول الاستثمارات الخارجية وحرية السوق إلخ، ويدرك بعمق نتائج حرية التجارة على المنتجين والعمال المحليين، ونتائج التركز الرأسمالي في قطاعيّ العقار والمال على تهميش الريف. وهو يقف، بطبيعة الحال، في صف القطاع العام والتعاونيات والفئات الشعبية والمتوسطة، وفي صف الزراعة والصناعة والتنمية الوطنية المستقلة.
وتوزير قائد شيوعي بهذه الصفات، وفي موقع قيادي بالنسبة للشؤون الاقتصادية، يعني أن القيادة السورية قد حسمت أمرها أخيرا وقررت التراجع عن النهج النيوليبرالي الذي استمر حوالي العقد في سورية وأدى إلى تشقق المجتمع السوري.
وإنه لحدث نوعي أن يحلّ شيوعي متماسك ومتجذّر، محلّ عبد الله الدردري في إدارة الاقتصاد السوري. وسيكون أمام الرفيق العنيد الآن مصاعب شتى أهمها أنه سيقوم بمهماته في ظل حرب إرهابية تدميرية تشنها قوى الاستعمار والرجعية على سورية، وثانيها أن حجم الخراب اللاحق بالاقتصاد السوري، كبير، وثالثها أن الإصلاحات التقدمية المطلوب إجراؤها اليوم سوف تصطدم بشبكة من رجال الأعمال المتنفذين والفاسدين، وخصوصا أولئك المحسوبين على النظام السوري نفسه.
لكن، على رغم كل ذلك، فإن وضع الشأن الاقتصادي السوري تحت قيادة شيوعي، له دلالة سياسية لا تخطئها العين؛ إن الرئيس الأسد يسير في الاتجاه الصحيح، ويعرب عن إدراك أعمق وأعمق بأن كسب الحرب ضد التدخل الإمبريالي الرجعي يتوقف على شن الحرب الداخلية ضد الكمبرادور والفساد الكبير، ومن أجل اقتلاع النيوليبرالية، العدوّ الداخلي الأخطر على سورية.
منصب آخر له دلالة سياسية بارزة في تشكيلة الحكومة السورية الجديدة، هو منصب وزير المصالحة الوطنية الذي تولاّه رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، علي حيدر.
وتوزير حيدر ليس توزيرا لقائد سياسي يتمتع بالصدقية فحسب، وإنما هو اعتراف بالحاجة للمصالحة الوطنية وبالمنهجية التي اقترحها القوميون الاجتماعيون لإجراء المصالحات بين الفئات السورية المنزلقة إلى الصدامات والثارات، بالحوار الميداني وإجراء التفاهمات والتسامح في ظل الولاء لسورية، الوطن والهوية.
وبالإضافة إلى ميزاته الفكرية والسياسية، فإن علي حيدر هو والد شاب بريء استشهد على أيدي العناصر الطائفية، لكنه تعالى على جراح الأب المكلوم، ورفض مبدأ الانتقام المدمّر، لكي يواصل دعواه إلى التسامح والمصالحة وإعادة بناء وحدة المجتمع السوري على أسس قومية.
إذا ما تمكن الوزيران، قدري جميل وعلي حيدر، من القيام ببعض مهامهما، يمكن للمرء أن يكون أكثر اطمئنانا إلى أن سورية تمضي نحو الخلاص.
العرب اليوم