قدامى العاملين.. الى الاستقالة؟!

ناهض حتّر
أكثر من 150 أستاذاً في الجامعة الأردنية، يحضّرون أنفسهم للاستقالة. وستكون هذه ضربة موجعة للمستوى الأكاديمي في أول وأهم الجامعات الأردنية. غير ان الحركة نحو الاستقالات المبكرة لقدامى العاملين، هي حركة عامة في المؤسسات الاردنية. والسبب الرئيسي وراء هذه الحركة، يتمثل في المخاوف والهواجس المنتشرة التي تقضّ مضاجع هؤلاء حول مستقبلهم التقاعدي وهي:

«1» المخاوف من اقرار قانون جديد لضريبة الدخل، يُخضع مكافآت نهاية الخدمة والادخار، للاحتساب الضريبي المجحف. وهو ما يهدد العاملين القدامى بضياع 20 الى 25% من «جني العمر» المعد لتسديد التزامات مؤجلة أو لتأمين الشيخوخة المهددة.

ويحاول هؤلاء الفرار بمكافآتهم ومدخراتهم، قبل ان تقع المصيبة!

«2» المخاوف من تعديل قانون وأنظمة الضمان الاجتماعي، لتغيير أسس احتساب الرواتب التقاعدية، على نحوٍ يقلصها جذرياً هنا، ايضاً، يسعى قدامى المشمولين بالضمان الاجتماعي، الى الفرار من المصيبة الآتية، برواتب محتسبة على الاسس الحالية.

وما يثير الانتباه، اولاً، هو شيوع انعدام الثقة في السياسات الاقتصادية – الاجتماعية المسيطرة، بحيث يدب القلق العميق، جراء المخاوف من هذه السياسات، لدى فئات واسعة من النخبة الأكاديمية والادارية والمهنية.

ولكن ما يثير الشفقة، ثانياً، ان آلاف المواطنين والمواطنات، ممن عملوا، بجد واخلاص وتفانٍ في التعليم والادارة والمهن الطبية والهندسية الخ، ممن كانوا يعتبرون أنفسهم مؤمنين بالحد الأدنى، فلم يلتفتوا الى الاتجار بالأسهم والعقارات، وترفعوا عن البزنس، يواجهون اليوم مصائرهم الصعبة، في ظل الليبرالية الجديدة المتوحشة الساعية الى اخضاع البلد، من دون أدنى حس بالمسؤولية الاجتماعية، لمصالح رجال الأعمال والرأسمال الأجنبي.

ويبقى ما يثير الحنق، ثالثاً، أن قدامى العاملين.. الخائفين على مصائرهم، يلوذون بالفرار الفردي من ميدان المجابهة الاجتماعية، بدلاً من الاعتماد والدفاع عن حقوقهم المكتسبة ومصالحهم المشروعة، فاذا كان الأساتذة والأطباء والمهندسون والمديرون، عاجزين الى هذه الدرجة، عن خوض غمار الصراع الاجتماعي، فماذا بالنسبة للفئات المستضعفة؟.

* * *

برامج الليبرالية الجديدة حيال «ضريبة الدخل» و«الضمان الاجتماعي»، تلك البرامج المعادية للفئات الوسطى سوف يكون لها آثار مدمرة على المؤسسات الاردنية والأداء المهني والأخلاقي في البلاد، ومنها «1» التقاعد المبكر للكادرات المؤهلة تأهيلاً عالياً، والتي ما يزال لديها سنوات من العطاء، وتدريب وتأهيل الجيل التالي، «2» وهو ما سيؤدي الى فجوة مهنية، في عدة مجالات أساسية، «3» أن الاجيال الجديدة سوف تتعلم الدرس القاسي، وتنظر بعين الريبة للمصير الأسود للاخلاص المهني والأخلاقي، وتكتشف ان الحفاظ على الذات في غابة الليبراليين الجدد، تتطلب سلوكاً ذئبياً، من الانغماس في التجارة الى الانغماس في الفساد.

Posted in Uncategorized.