ناهض حتّر
“لم يعُدْ شَرَفاً، أن تكدّ اليدانِ..
ويندى الجبينُ، وتذوي المُقَلْ!
لم يعد شرفاً ان يضيءَ الذكاءُ..
ولا شرفاً أن يكلَّ العَضَلْ
كلُّ ما ليس سلباً ونهباً.. فَشَلْ!”
في أبيات الشاعر اللبناني حسن عبدالله، هذه، ربما أفضل تعليق على القانون المؤقت غير الدستوري لضريبة الدخل، الذي يعاقب -مثلما اوضحنا امس – الكدح والذكاء، ويكافىء السلب والنهب!
لا تكن طبيباً بارعاً وناجحاً.. بل كن مضارباً عقارياً! لا تجدّ وتجتهد في العمل الاداري المخلص او في الابداع او النشاط الأكاديمي او الخدمي، أو التجاري او الصناعي او الزراعي… كلا! بل ضاربْ في الأوراق المالية والعملات.. وتعلّم الغباء والدهاء والمداهنة والسلب.. والنهب. اغتنمِ الفرص.. أو ابتعد. واعطِ الطريق «للاستثمار» -خصوصاً الأجنبي – كي يمضغ قلب البلد.!
***
حسناً! ليست معادلة ضريبة الدخل (المخفضة على الشركات، المضاعفة خمس مرات على الفئات الوسطى) مجرد معادلة مالية فنية.. بل معادلة اجتماعية – سياسية، تبدأ بالخصخصة الشاملة (التي وصلت الى اراضي الدولة والاحراج) وتمر باعلاء مصالح «الاستثمار» فوق مصالح المجتمع، والغاء دور الدولة في مجال اثر مجال، وخصخصة التعليم والطبابة،- وربما مكافحة الارهاب أيضاً – في «سوق حرة» بل قل في «منطقة حرة» -على سعة الوطن- لا قيد فيها على حرية التجارة التي تستنزف ميزان المدفوعات، وتكرس المديونية، وتفقر الدولة والمجتمع وتزيد الاقلية والكمبرادورية المتنفذة، ثراءً بالوسائل «المشروعة» .. وغير المشروعة!
اعني انها سياسة تمييز اجتماعي صريحة ضد الاغلبية، ولكنها تكرس أيضاً -او تقود الى -التمييز السياسي. فحين تشن الاقلية حملة نهب ضرائبي على اعضاء الفئات الوسطى، وتهبط بمستواهم المعيشي، وقدرتهم على المناورة والتضامن القرابي مع الفقراء الخ فانها تنتهي باستبعاد الفئات الأكثر فعالية في السياسة والثقافة والعمل النقابي والاجتماعي، من دائرة النشاط العام، وتلزّهم الى الصمت والتراجع والانكفاء.
لا ديمقراطية.. ولا حياة سياسية، من دون فئات وسطى مهنية وادارية واكاديمية واعلامية.. غير متربطة بالبزنس، والفساد، والتكسب السياسي.. الخ ولعلّ أسوأ آثار النهب الضرائبي لهذه الفئات انه يضعها امام خيارين: اكتساب روح الفقر السلبية. .او اكتساب روح البزنس الوحشيّة. وفي الحالتين، تخسر الدولة والمجتمع، جمهور المبادرين.