عقدت أحزاب وقوى المعارضة الوطنية السورية، مؤخرا، مؤتمرين في العاصمة دمشق، الأول لهيئة التنسيق الوطني وحلفائها ( 23 أيلول) والثاني لجبهة التغيير والتحرير وحلفائها ( 26 أيلول). وتلخص هذه الأحزاب والقوى، لوحة المعارضة الوطنية السورية، لكنها لا تلخّص الحركة الوطنية السورية التي تضم، أيضا، حزب البعث الحاكم وحلفاءه التقليديين فيما كان يُعرَف بـ’الجبهة الوطنية التقدمية’، وقوى مجتمعية ومهنية وعشائرية ليس لها، بعد، تمثيل سياسي مستقل، ولكنها تعبّر عن حساسيات مستقلة، والعناصر الفنية والإدارية النظيفة من بيروقراطية الدولة السورية ومؤسساتها، إضافة إلى الجيش العربي السوري الذي لا يمكن النظر إليه كمؤسسة مهنية فقط، فهو، بالأساس، مؤسسة وطنية وعماد الدولة.تقف هذه القوى ، اليوم، وبغض النظر عن خلافاتها وتبايناتها،أمام استحقاق تاريخي يتمثل في تجديد الحركة الوطنية السورية الجامعة القادرة، وحدها، على القيام بمهمات متداخلة ومركّبة لا يمكن تأجيلها، وهي:
ـ هزيمة الغزاة وأدواتهم من الجماعات الأصولية المسلحة المحلية والجماعات الإرهابية الوافدة.
ـ تأمين وحدة وسلامة الأراضي الوطنية وبسط سيادة الدولة على كل شبر فيها.
ـ المصالحة الوطنية الشعبية.
ـ وقف كافة أشكال العنف المسلح والقمعي في مواجهة المجتمع وقواه السياسية الوطنية، وإنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي.
ـ إعادة المهجّرين إلى أحيائهم وبلداتهم وقراهم، وتقديم كل أشكال المساعدة للأسر لإعادة تأسيس حياتها الطبيعية.
ـ الشروع في إعادة البناء، على أساس النهج الوطني الاجتماعي.
ـ تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات حرة لجمعية تأسيسية، بإشراف مجموعة دول البركس.
وقيام الحركة الوطنية السورية، عملية اجتماعية تاريخية موضوعية، تفرض وستفرض نفسها من خلال الفرز الحاصل والمتعاظم على أساس الموقف من الغزو الأجنبي للبلاد، ومن المصالحة الوطنية. فلا انتصار على الغزاة من دون مصالحة وطنية، ولا مصالحة وطنية من دون التوافق على أولوية صدّ الغزاة.
هل يمكننا تكوين مبادرة يسارية ـ قومية من بلدان الهلال الخصيب، للسير في هذا السيناريو إلى مؤتمر عام للحركة الوطنية السورية، يتحدد المشاركون فيه وفق معايير موضوعية تتصل بالحركة وروحها ومهماتها، وتنبذ كل التحيزات الفائتة والنزعات الإقصائية، وتنتهي بإعلان حكومة ائتلافية تمثّل كل أطراف الحركة الوطنية، وتتمتع بالصلاحيات اللازمة لتنفيذ المهمات المعرّفة أعلاه؟
في رأيي أننا في لحظة متحركة بالفعل، بحيث يمكن أن يكون هناك وزن جدي لمبادرة تقترحها قوى يسارية وقومية بشأن سورية. لقد آن الأوان لكي تخرج تلك القوى من دائرة الرأي إلى دائرة الفعل السياسي. وسورية، اليوم، هي قلب السياسة العربية، وسيتوقف على مآل الصراع فيها مصير المشرق كله، فإذا مضت التطورات باتجاه هزيمة الغزاة وانتصار الحل الوطني الاجتماعي الديموقراطي في هذا البلد، فإن الفرصة ستكون مهيأة لولادة المرحلة الثانية من حركة التحرر الوطني العربية، وبالمقابل، فإن انتصار الغزاة أو حتى الوقوع في براثن الستاتيكو التدميري الحاصل، سيقود إلى دمار المشرق كله.
العرب اليوم