خلال الأيام الماضية, تجدّدت الثورة الشعبية المصرية التي بدا, مؤخرا, أنها اندرجت في سياق الربيع العربي الأمريكي, بمعنى استيعاب الموجة الثورية وإعادة بناء نظام الإمتيازات والتبعية والقمع, تحت أقنعة زهرية, صفقة بين العسكر والإخوان المسلمين وانتخابات مرتبة, من حيث الإجراءات والتنظيم والتمويل, لتقاسم مجلس الشعب بين نواب الإخوان ونواب حزب النظام المباركي.
في ميدان التحرير, ركزت الهتافات الشعبية على رفض صفقة الإنتخابات ونقل السلطة إلى حكومة إنقاذ وطني تمثّل جميع التيارات السياسية. لقد تبيّن أن الجنرالات الذين صعدوا إلى سلطة الحكم على هدير ثورة 25 يناير ولم يحققوا أي إنجاز في المجالات الإقتصادية المجتمعية أو المعيشية أو المدنية أو الإدارية أو إجتثاث الفساد أو تحسين ظروف الحياة الصعبة جدا في البلاد تمكّنوا من إعادة بناء جهاز شرطي شرس مدجج بالأسلحة المحرّمة ومدرّب على القمع العنيف والقتل وفقء العيون. ولم يتم استعمال هذا الجهاز في ضبط الأمن العام المنفلت, بل لمواجهة شباب الثورة بالعنف, بعدما جرى الإلتفاف على الثورة بالتحالف مع جماعة الإخوان.
الولايات المتحدة التي تقود حملة واسعة النطاق مع تركيا وقطر للتهيئة للعدوان على سورية بحجة حماية المدنيين لم تجد ما تقوله بشأن المذبحة في ميدان التحرير, سوى الدعوة إلى ‘ضبط النفس’ والتحذير من تأثير ‘الأحداث’ من دون الإشارة إلى العنف ضد المدنيين على الإنتخابات. ولا غرو. فمن يتذكر مسلسل العملية السياسية الأميركية في العراق, يدرك أهمية الإنتخابات كآلية لمنح الشرعية للقوى المضادة للثورة والمقاومة.
‘حزب الحرية والعدالة’ الذراع السياسية للإخوان المصريين سار في الخط نفسه, واعتبر تجديد الإحتجاجات الجماهيرية ‘ مؤامرة’ على الإنتخابات. ودعا أنصاره إلى عدم المشاركة في المظاهرات والإعتصامات. وهو موقف مفهوم أيضا, فتهديد الإنتخابات يهدّد فرصة الإخوان في السيطرة على مجلس الشعب والمشاركة في سلطة الحكم.
غدا, يلتئم اجتماع المجلس الوزاري للجامعة العربية للبحث في عقوبات جديدة وتصعيد جديد ضد سورية. وسيكون هذا الإجتماع وقراراته بلا وزن ولا معنى, بل سيكون مجرد مشهد كاركاتوري, إذا لم يبحث أيضا المذبحة التي تجري في مصر الآن, ويتخذ موقفا جديا منها. لكن ما سيحدث هو أن الجامعة العربية لن تتجاوز دعوة المصريين إلى ‘ضبط النفس’. أما الدموع العثمانية التي ذرفها طيب أردوغان على المدنيين السوريين, فالأرجح أنها ستجفّ عندما يتعلق الأمر بالمدنيين المصريين الذين يجابهون اليوم سرّاق الثورات.
هكذا عرّى تجديد الثورة المصرية, المشهد السياسي للربيع العربي الأمريكي وعمليته السياسية الإعلامية المنظّمة بالخبرات الغربية والمموّلة من خزائن الخليج والقائم على توليف تحالفات معقدة لقوى الماضي.
تواجه القوى الشعبية المستقلة واليسارية والديموقراطية المصرية اليوم, الحلف المعادي بمطلب عياني هو نقل السلطة إلى حكومة إنقاذ وطني تمثّل جميع التيارات الوطنية, وتبدأ التأسيس للمرحلة الوطنية الديموقراطية والاجتماعية الجديدة.
هذا المطلب هو مربط الفرس للربيع العربي الحقيقي في مصر كما في سورية والعراق و اليمن و تونس وليبيا والجزائر والمغرب والخليج والأردن … حكومات إنقاذ وطني تمثّل القوى الفاعلة من دون استثناء, وتؤسّس لدول جديدة, مستقلة ومدنية وديموقراطية, سياسيا ومجتمعيا.
(العرب اليوم)