الشاهد 9هذا العالم
معتز السلطي
بعد أربع سنوات على غيابه، وفي ظل الأنواء التي تعصف ببلدنا، ووجوده، ومستقبله، نكتشف ما اعطاه الراحل الكبير غالب هلسا للأردن، من معنى وحضور في الثقافة العربية المعاصرة.
من على صخرة الشباب في “ماعين” كان غالب يرى فلسطين، ويفكّر، ويحلم. وفي عمان، صار مناضلا شيوعيا… وفي بيروت وبغداد والقاهرة ودمشق، صاغ وجدانه، بوصفه “المواطن العربي الشعبي الاتي”… فناضل وكتب وأبدع وأحبَّ وغنى باللهجات كلها، وحفر اسمه، من منفى الى منفى، على حوائط الزنازن كلها!
أردني… غادر الوطن الصغير مرغَما… ومنح نفسه للوطن الكبير مختارا، بيد انه لم يغادر أبدا، ما كان يصفه “باللياقة الأردنية”… وظلت روحه تترنم على إيقاع المهباش، إيقاع الخيل والليل والشهامة والإقدام… فظلّ الأردني-ابن آمن-عصياً على الشراء والبيع والترغيب والترهيب!
أردني… أعطى للرواية العربية، بعضا من أهم منجزاتها وتربَّع -مع نجيب محفوظ وحنا مينة وعبد الرحمن منيف وآخرين معدودين-على عرشها. كتب عن القاهرة وبغداد اعمالا روائية بحساسية الأردني وشفافيته… وروى قصة الأردن، زنوجا وبدوا وفلاحين، في غير رواية وقصة، بعين المثقف العربي التي ترى الخاص في العام.
أردني… لم يعط أحدٌ للمقاومة الفلسطينية ما أعطاه من التزام نقدي، وتفكير عميق، ورؤى بعيدة المدى… في المئات من الدراسات والمقالات والمداخلات التي تشكل معا، ثروة للادب السياسي الفلسطيني!
أردني… نَعَتْه، حين مات، عدة أحزاب ومنظمات عربية، شيوعية، ووطنية، بوصفه رفيقا… وكانت كلها صادقة… فحيثما حل غالب، كان يندمج في المكان والزمان… حتى الزنازن!
أردني استوعب في شخصه وفكره، ابداعياً، كل التيارات الفكرية الكبرى في التراث العربي الاسلامي، وفي الثقافة العالمية الحديثة، من موقع الماركسي العربي، فأعطى للفكر العربي المعاصر، درراً من الأبحاث والدراسات، التراثية والفلسفية والنقدية، فيها من الاصالة والإبداع بقدر ما فيها من الحكمة والدقة والجهد.
أردني… تشكل إسهاماته النضالية والثقافية، الغزيرة والوهّاجة، واحدة ًمن أصلب الصخور التي ينهض الأردني عليها… حاضرا ومستقبلا!
أردني… عاد الى الارض المعطرة بالهيل، في كفن. لكنه ما يزال ممنوعا من دخول البلاد بأوامر موظف “درجة تاسعة” في مديرية المطبوعات والنشر!
“في ذكرى غالب هلسا”
Posted in Uncategorized.