في الشوبك يريدون انتخابات سياسية

العرب اليوم

ناهض حتّر

لم اكن اتصور ان هذا النوع من الممارسات العثمانية ما يزال يحدث في بلادنا:
لم اكن اتصور ان شبابا في العقد الثالث من اعمارهم، جامعيين ومهنيين ومهتمين -فوق ذلك-بالاصلاح الديمقراطي لم يقرأوا الدستور الاردني، ولم يعرفوا، بعد، حقوقهم الدستورية، وعلى رأسها الحق في التعبير الحر عن الرأي.
ولم اكن اتصور ان «المتصرفيات» في الاقاليم ما تزال تعيش على ايام كلوب باشا، تطارد الافكار، وتهين المواطنين لانهم يتجرأون على التفكير، وتدفع الشباب الى الامتثال للقطيع!
ولكن الدكتور منصور الطورة من الشوبك، بدد اوهامي حين هاتفني شاكيا، وقد تعرض للاهانة من متصرف اللواء، والزجر، لان الطورة وزملاءه فكروا وارادوا ان يكونوا ايجابيين ازاء تطوير العملية الانتخابية في مجتمعهم المحلي!!
والقصة باختصار، ان د. منصور الطورة و د. ممدوح الرواشدة ومجموعة من شباب الشوبك، توقفوا، مليا، امام الاجواء العشائرية الضيقة جدا التي تقيد المعركة الانتخابية وتجهض التمثيل النيابي وتفرغ الفرصة الديمقراطية من قوتها. وقد اراد شباب الشوبك ان يتوجهوا الى الرأي العام في دائرتهم بوثيقة تعرب عن هذه الافكار، وتطلب من الناخبين، التصويت على اسس عامة غير عشائرية، وقد تبنى هذه الوثيقة ثلاثون شابا وجمعوا لها حوالي مائتي توقيع، حين نصحهم «شخص ما» باستئذان المتصرف، فذهبوا ببراءة لاستئذانه، اولا لانهم جاهلون بحقوقهم الدستورية، وثانيا لان هؤلاء ما زالوا يشعرون ان الدولة دولتهم، وان المتصرف محسوب، في النهاية، على «عشيرة المثقفين»، وانه يمثل، بالفعل، التوجهات المعلنة رسميا.
لم يعرف هؤلاء الشباب ان ما يقال في الصحافة، وفي ندوات العاصمة شيء، وتعليمات ادارة الاقاليم، شيء آخر! ولذلك فقد فوجئ اصحاب «الوثيقة» باستدعائهم الى المتصرفية يوم الاثنين 19/05/2003، حيث اكتشفوا «العرس الديمقراطي» على حقيقته، فقد ابلغهم المتصرف حازما بان «الوثيقة مرفوضة امنيا ويمنع نشرها او تداولها حرصا على المصلحة العامة!» وانه -اي المتصرف -هو وحده القادر -واكثر من الجميع-على تلمس هذه المصلحة في هذه البقعة من الاردن، اي حيث حدود متصرفيته!
***
وكان منصور الطورة يريد ان يقفل الملف… ويعود الى الوقوف امام السفارة الاسترالية بعمان، من اجل فيزا تجعل له مخرجا، الى حياة اوسع!! والى بلد يحافظ على «كرامته وانسانيته»!
غير انني حرضته -وانا اتحمل المسؤولية -على امتلاك نسخة من الدستور الأردني… وقراءته… وحفظه… والتمسك بكل حقوقه الدستورية والدفاع عنه.
***
واسجل هنا ثلاث ملاحظات:
اولا -ان ثمة مسافة واسعة جدا بين اساليب الحكم في العاصمة واساليب الحكم في الاقاليم حيث ما يزال الزمن العثماني.
ثانيا-ان قانون الصوت الواحد والتقسيمات الادارية للدوائر الانتخابية على اسس فسيفسائية جهوية عشائرية وديمغرافية -سياسية، قد اظهر افلاسه الكامل عشية الانتخابات التي تبين انها مفرغة من كل مضمون سياسي مسبقا، وانها لا تجتذب القسم الرئيسي من المواطنين الواعين، لا ترشيحا ولا مشاركة، ولا انتخابا!
ثالثا-ان قانون الانتخابات العامة الحالي، واسلوب ادارة الاقاليم، يقودان الى تحطيم كل اتجاهات التنوير الاجتماعي، ويكرسان الواقع السياسي المتخلف… اكثر فأكثر.
***
لن تكون هناك حياة سياسية ديمقراطية في الاردن، من دون قانون للانتخابات العامة يقوم على القائمة النسبية، وليس فيه مكان للترشيحات الفردية -وهو ما سيدفع المواطنين الى التحزب، وممارسة النشاط السياسي، وسيتقدم الى الترشيح الشخصيات العامة فعلا… في معركة سياسية، شكلا ومضمونا، تؤدي الى تمثيل حقيقي للمجتمع واتجاهاته السياسية.

Posted in Uncategorized.