ناهض حتّر
اراحنا الدكتور فواز حاتم الزعبي من وعثاء التقديرات، واظهر، علناً، «القطبة المخفية» لبرنامج الاصلاح الليبرالي الكمبرادوري. فهو اوضح بصراحة لا تشوبها شائبة، الخطوط الرئيسية للتوجهات السياسية لليبرالية الجديدة، كالآتي، «ونحن ننقلها، حرفياً، من المقال – البيان الذي نشره الزعبي في الصحافة الاردنية، السبت الماضي»
«1» لا بدّ من بروز قادة في القطاع الاقتصادي ورجال اعمال اصلاحيين يؤمنون بالديمقراطية – او فاعلين سياسياً و«ازاء التحولات الداخلية والخارجية، لا بد من ان يتحرك القطاع الخاص بسرعة وفعالية، لاقتناص الفرصة التاريخية، وليدلي بدلوه في العملية الجارية لصياغة مشروع اصلاحي وطني، وتحديد وجهة الاردن الحديث…»
والدكتور الزعبي – كما اوضحنا بالأمس – يدعو رجال الاعمال الليبراليين الى تقديم بعض التنازلات للاغلبية الشعبية، وافهامها ان الليبرالية الجديدة لا تريد تحويل الاردن الى «منطقة حرة مفتوحة» – مثلما يقول كاتب هذه السطور- تكون وظيفة الشعبي الاردني فيها تقديم العمالة الرخيصة للاستثمار الاجنبي. كلا. الدكتور الزعبي يلحظ ان «السواد الاعظم» مصالح ايضا لابد من مراعاتها. ولكن المشروع كله يظل، عنده، مشروع القطاع الخاص، مشروع ديمقراطية رجال الاعمال،وهي ديمقراطية من شأنها ان تنظم العلاقات بين مراكز القوى الرأسمالية. ان رجال الاعمال هم القيادة الوطنية الجديدة وليس المثقفين والقيادات السياسية التقليدية.
«2» «ايجاد آلية جديدة لتشكيل الحكومات على اسس برلمانية «وهذا ما نوافق عليه بالطبع» في ظل قانون انتحاب جديد تتم صياغته على اساس المواطنة اولاً بغض النظر عن الاصل والفصل والعرق..» وهذا كلام جميل.ولكنه يتجاهل الحقائق الاساسية التالية «أ» قضية اللاجئين ولعله ان يكون واضحاً ان الحديث يجري، هنا، عن التوطين السياسي اللاجئين، المتساوق مع الحل الامريكي -والاسرائيلي للقضية الفلسطينية «ب» الهوية الوطنية للكيان الاردني «ج» موافقة اللاجئين على التخلي عن حقوقهم السياسية في فلسطين «د» موافقة الاردنيين على تأسيس دولة فدرالية جديدة محل دولتهم المتحدة السيادية.
«3» «اصلاح اجهزة الامن، لجهة العودة الى حجمها الطبيعي في مجتمع ديمقراطي «والكف عن» الاستمرار في التدخل في كافة مناحي الحياة العامة في البلاد».
وهذه المطالبة جريئة جداً. وهي صحيحة من حيث المبدأ، ولكن المقصود بها، في الحالة الاردنية، تفكيك «الحزب السياسي، للدولة الاردنية القديمة. فواقع الحال ان دولة القطاع العام الشعبوية والسلطوية معاً، لم تستطع ان تنشئ لها حزباً سياسياً سوى الاجهزة الامنية، ولقد فشلت، في السبعينات، محاولة الشهيد وصفي التل، تأسيس حزب مدني للدولة الاردنية تحت اسم «الاتحاد الوطني الاردني»، وفشلت، في التسعينات، محاولة تأسيس حزب كذاك تحت اسم «الوطني الدستوري» يجمع الاحزاب الوسطية كلها. وبالنتيجة، ظلت الاجهزة الامنية هي التي تلعب دور الحزب السياسي للدولة الاردنية .مهما كان رأينا في الاجهزة الامنية فان من المتعذر تفكيك الدولة الاردنية، من دون تفكيك حزبها الفعلي. وهكذا نفهم سر الجراءة الاستثنائية التي اظهرها د. الزعبي في الحديث عن خطة تفكيك الاجهزة الامنية.
هل اتأسف – بوصفي ديمقراطيا ومواطناً تأذى من الاعتقالات والتعذيب والفصل من العمل والاعتداء بالضرب والمنع من تولي المناصب الخ… على الاجهزة الامنية، لا. ولكنني بالطبع، حريص على الدولة الاردنية وكيانها وهويتها.. مثلما ان من حقي ان اتساءل كيف اصبح مدللو النظام السياسي الاردني ووزراؤه من رجال الاعمال.. على هذا القدر من الجرأة»؟
على كل حال، يكفي ان نجمع النقاط السابقة الثلاث، لكي نتوصل الى استنتاج رئيسي واضح: ان الليبرالية الجديدة المسيطرة الان على القرار الحكومي، تهدف الى ديمقراطية على الانموذج العراقي: تفكيك الدولة القديمة واجهزتها، انتخابات مفصلة لاحداث انقلاب سياسي.