منطقة خطر
ناهض حتّر
في وقت مضى من اواخر السبعينات واوائل الثمانينات، كان لرابطة الكتاب الاردنيين، هيبة وصولة، وكانت حصناً للحركة الوطنية الديمقراطية، ورمزاً للقيم القومية والشعبية. وكان رجال الدولة الكبار يتحدون بعضهم بعضاً بالقول “اذا كنت رجلاً فقل هذا الكلام في رابطة الكتاب!” وبالفعل كان يأتي وزراء ذوو شوكة الى رابطة الكتاب، محاضرين -وقد اعدوا اوراقهم جيداً لئلا يقعوا في ورطة -ولكن فرسان الرابطة الصناديد، كانوا يحولون محاضرات الوزراء الى امتحانات عسيرة لهم، وللسياسات الحكومية، لا في الشؤون الثقافية والاعلامية حسب، بل وفي الشؤون العامة كلها! وكان كل ذلك يتم في زمن الاحكام العرفية، وفي ايام كان المواطن فيها يحاسب على انفاسه!
ولم تحتل رابطة الكتاب الاردنيين موقعها في الحياة الاردنية، وفي الثقافة الاردنية، لاسباب ادبية او لابداعات اعضائها؛ ولكن بفضل النضال المثابر لثلة من المثقفين العضويين، اي المثقفين الملتزمين، على المستويين الادبي والشخصي، بالطبقات الشعبية واحزابها، وبالمشروع التاريخي لحركة التحرر القومي العربية.
وبسبب موقع الرابطة ذاك في حياة البلاد، وبسبب موقع المثقفين العضويين القيادي فيها، جرى اغلاق الرابطة عام ١٩٨٧. ثم كانت انتفاضة نيسان والتحولات شبه الديمقراطية فكان من ابرز عناوينها اعادة رابطة الكتاب الاردنيين الى الحياة.
ولكن الحياة لم تعد الى الرابطة منذ ذاك؛ وقد انشغلت في الايام الماضية -بعد انقطاع طويل-في انتخابات الرابطة؛ ساعياً للمشاركة في الجهود المبذولة للحفاظ عليها بوصفها منبراً وطنياً ديمقراطياً، وموقعاً من مواقع مناهضة الاستسلام والتطبيع. وقد نجحت هذه الجهود المباركة ففاز الراوئي مؤنس الرزاز برئاسة الرابطة؛ وفازت هيئة ادارية لا تخرج بالاجمال، عن الخط الوطني العريض… ولكنني اسفتُ لان جوّ الرابطة العام غدا جواً ادباتياً ذاتوياً؛ ولان انموذج الاديب الادباتي اعني الاديب غير العضوي، اي غير المسيّس وغير الحزبي، هو الانموذج السائد والمحبوب والمطلوب! وهو، عندي، دليل على تراجعها، ثقافياً وادبياً بقدرما هو دليل على تراجع دورها الاجتماعي والوطني والسياسي!
لا اقول: لنا الله يارفاق الامس بل اقول فلندخل المعركة! فلنبدأ من جديد حرباً بلا هوادة، ضدّ الادباتية والفردية والانعزالية وضد فوضى الفكر، ومن اجل انتظامه في المعركة الوطنية ضد الاستسلام والتطبيع!