ناهض حتّر
منذ قيامها، العام ،1965 خاضت «فتح» سلسلة لا تنتهي من الحروب الاهلية: من الصراعات الدامية لتوحيد القرار داخل فتح نفسها الى السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية والقرار الفلسطيني عبر مجابهات مع فصائل فلسطينية عديدة، كان ابرزها، العام 68- ،1969 «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وهي حزب يساري حظي وقتذاك بجماهيرية واسعة هددت مكانة «فتح» القيادية وقد جرى ضبط «الشعبية» والحاقها بهجمات اعلامية وترتيب انشقاقات داخلية فيها وبالسلاح.
وتصدت «فتح» لاحقا في لبنان – للتحدي الذي مثلته، «الشعبية – القيادة العامة» التي – وان لم تحظ بالثقل السياسي – فانها شكلت قوة عسكرية لا يستهان بها، مدعومة من دمشق. وقد نشب بين الطرفين قتال شرس وشمل بالطبع، منظمة «الصاعقة» البعثية. الا ان المعارك السياسية والعسكرية الطاحنة هي التي شهدتها «فتح» نفسها، لدى انشقاق «فتح الانتفاضة»العام ،1983 وانتهت بعزل هذا الانشقاق ومحاصرته كليا.
اظهرت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى العام ،1987 قيادات مدنية في الاراضي المحتلة، وكانت هذه القيادات على الرغم من ولائها لمنظمة التحرير بقيادة «فتح» ذات استقلالية ناجمة عن الارتباطات المحلية في الضفة والقطاع، واتجاه المجتمع الفلسطيني المحلي الى تجاوز الفصائلية، وبناء وطنية محلية جديدة وتعبيرات سياسية مدنية، وقد تكرست هذه التعبيرات في الوفد الفلسطيني الى مؤتمر مدريد العام 1991 وكان اداء هذا الوفد عالي المستوى وناضل بصلابة من اجل حل شامل للقضية الفلسطينية، رافضا تقديم تنازلات.
هذه التنازلات – من دون حدود – قدمتها «فتح» في مفاوضات سرية مع اسرائيل انتهت الى اتفاقيات اوسلو العام 1993 فاستردت القيادة الفتحاوية سيطرتها الكاملة على القرار الفلسطيني، وبدأت بتأسيس سلطة تحت الاحتلال، هي انموذج مصغر لانظمة الحزب الواحد، وكانت «فتح» بذلك قد توصلت الى تحقيق هدف رئيسي لها وهو احتكار السياسة والسلطة في الساحة الفلسطينية.
وهذا الاحتكار تعرض لتحد خطير تمثل في بروز حركة المقاومة الاسلامية (حماس) قوة سياسية جماهيرية ومسلحة. الا ان الثقل الشخصي للرئيس الراحل ياسر عرفات، استطاع استيعاب ذلك التحدي، وظلت (حماس) بعيدة عن التأثير في القرار، وتم القبول بها كأداة ضغط في مواجهة الانقلاب الاسرائيلي على اوسلو.
خلال الانتفاضة الثانية، العام ،2000 تضاعفت قوة (حماس) السياسية الجماهيرية، بالنظر الى فشل النهج التفاوضي الفتحاوي والفساد الاداري والمالي في ادارات السلطة. اما من الناحية العسكرية، فقد اصبحت (حماس) قوة رئيسية في الساحة الفلسطينية، ساعد في تعزيزها، اقدام الحكومة الاسرائيلية بزعامة ارئيل شارون، على تدمير اجهزة السلطة الامنية ومحاصرة الرئيس عرفات.
وحصدت (حماس) نتائج كل تلك التطورات في الفوز الساحق الذي حققته في الانتخابات التشريعية العام 2006 استخدمت (حماس) ضد (فتح) الاساليب الفتحاوية نفسها، والمتمثلة في المزاوجة بين الشعارات المبدئية وبين السلوك السياسي الهادف الى احتكار المقعد الفلسطيني على طاولة المفاوضات مع اسرائيل. وقد استخدمت (فتح) هذه الاساليب في سياق صراعات سياسية ومسلحة مع الاردن (1970) ومع سورية طوال عقدي السبعينيات والثمانينات، على الارض اللبنانية.
***
(فتح) الان في مأزق وجودي يتمثل في اتجاه (حماس) -واقعيا- الى تفاهم مع اسرائيل على «هدنة طويلة» تجمد الاوضاع الراهنة، اذ يتلافى الطرفان تقديم تنازلات او الدخول في مفاوضات، وتحصل (اسرائىل) على الامن و(حماس) على السلطة في المناطق الفلسطينية.
وتستجمع (فتح) الان قواها الجماهيرية والمسلحة، وتحشد الدعم العربي والدولي، كي تخوض معركة فاصلة مع (حماس) وقد عبّر القيادي الفتحاوي محمد دحلان، بالفعل، عن استعادة المزاج الحربجي لحركته.. وجرى، بالفعل، حمله على الاكتاف، في حين تقوم (حماس) بعملية تجنيد واسعة.. فكأن الحرب الاهلية اصبحت قدرا محتوما.