حجز الأميركيون 30 ويُقال 50 غرفة في فندق فخم في القدس المحتلة، في كانون الثاني المقبل؛ سوف يتم الاحتفال باتفاقية الإطار بين الإسرائيليين والفلسطينيين في موعده، ومن ثم سيكون هناك عام كامل، حسب كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، لإنجاز تسوية نهائية في إطار ذلك الإطار.
الابتسامات بين صاحب ‘الحياة’ مفاوضات ونظيرته، الوزيرة الإسرائيلية، تسيبني ليفني، تدلّ على أن الإطار قد ارتسمت خطوطه؛ لا يعني ذلك أن رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، لن يكف عن الاستيطان، ولا يعني ذلك، أيضا، أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سيظل يدين التوسع الاستيطاني، ويرفض، قطعيا، وجود الجيش الإسرائيلي في غور الأردن، مقترحا مكانه، القوات الأميركية.
مثل هذه التصريحات، ستتواصل؛ سيكون هناك، الكثير من الحَرَد والعنعنات، إنما الإطار هو الإطار. وهو صيغة من ‘ التفكير خارج الصندوق’ :
ـ نعم لخط حزيران 1967 كأساس لترسيم حدودي، على أن يأخذ بالاعتبار تبادل الأراضي للحفاظ على المستوطنات وطرقها والاحتياجات الأمنية الإسرائيلية،
ـ ونعم للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، على أن تكون في أبو ديس، مع ممر للمقدسات الإسلامية،
ـ ونعم للدولة المستقلة ـ بلا جيش طبعا ـ على أن تكون بلا حدود دولية ذات سيادة؛ فالجيش الإسرائيلي سوف يظل رابضا في غور نهر الأردن الفلسطيني.
ـ ونعم لحق عودة اللاجئين، إنما في سياق رمزي ومتدرج في إطار جمع شمل الأسر، وبما لا يزيد عن بضعة آلاف. هناك، بالطبع، التعويضات. والتعويضات سوف تسمح بتبرجز أقسام جديدة من اللاجئين، وتمكينهم من الهجرة أو من إعادة بناء حياة لائقة حيث يقيمون خارج فلسطين.
ـ ونعم لحق عودة النازحين، إنما هو شأن أردني ـ فلسطيني، لكنه مقيد بالحاجز الإسرائيلي بين الدولتين، يسمح ويمنع.
بالأثناء، سوف يتم جرّ ‘حماس’ إلى إطار داخل الإطار؛ سيحدث معها كما حدث في أوسلو: رفض شكلي ثم اندماج في العملية الانتخابية، واتجاه براجماتي يرى أنه يمكن للحركة أن تفيد مما صنعته ‘ السلطة’: من جهة، التنصل والإدانة، ومن جهة أخرى، المشاركة في العملية السياسية، والسعي إلى موقع الحكم، والتمكين، والباقي مشكلات تحلها فتوى الهدنة والتفاهمات.
مع ذلك، تواجه ‘ حماس’ ثلاث معضلات جديدة هي:
(1) فهي اليوم ـ وقد تحولت سلطة أمر واقع في غزة، لها التزاماتها الحكومية الخدمية، ومحاصرة، مصريا وعربيا وبلا حلفاء، كالسابق، في سوريا وإيران وحزب الله، ومتورطة باتفاقيات أمنية صارمة مع إسرائيل ـ ليس لديها القدرة، كما كان الحال في أواسط التسعينيات، على اعتراض مسيرة الاتفاقيات الجديدة، بالاستشهاديين، وتخريب المفاوضات؛ الآن، سيكون عليها أن تدفع ثمنا باهظا بلا حلفاء، قد يخرجها من المشهد كله.
(2) ويعزز هذا المسار عودة ارتباط ‘ حماس’، على ما بين أجنحتها من صراعات داخلية، في الصراعات العربية ـ العربية. وهنا يحدد الأتراك والقطريون والإخوان المسلمون المصريون، الأولويات الحمساوية. وهي كلها غير فلسطينية.
(3) قوى الاعتراض الإقليمية، إيران وسوريا وحزب الله، كلها مشغولة حتى الأذنين بملفات الحروب والتسويات الخاصة بها؛ فهل يطلب منصف أو عاقل من طهران أن تضرب عرض الحائط بالمفاوضات التاريخية الخاصة بملفها النووي ورفع العقوبات عن شعبها، والاعتراف بها قوة إقليمية رئيسية، لكي تقلب الطاولة، تتصدى لجهود كيري ـ عريقات ـ ليفني؟ وهل ينتظر أحد من سوريا وحزب الله، وهما يخوضان أشرس معركة في التاريخ ضد الإرهاب التكفيري المنفلت من كل عقال، لكي يكرّسا جهدا في إفشال الإعلان عن إطار السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني؟
روسيا والصين ليستا، بعد، في المحور المقاوم لإسرائيل؛ بينهما وبينها، على العكس، مصالح وعلاقات تجارية وسياسية. وهما يدعمان، دبلوماسيا، ثوابت القضية الفلسطينية، لكن ماذا بأيديهما إذا ذهب الفلسطينيون بأنفسهم نحو إطار كيري؟
الدولة الوحيدة التي تتضرر مصالحها المباشرة، وأمنها الوطني، وكيانها، مما يحدث بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أي الأردن، لا يعترض مسؤولوها على الفواتير السياسية الضخمة التي يُنتَظَر منه تسديدها على مذبح الإطار الفلسطيني ـ الإسرائيلي؛ بالعكس، إنهم يؤيدون، بقوة وحماسة، الإطار.. وما بعده؛ أكثر من ذلك إنهم يصطفون، في التفاصيل، إلى الجانب الإسرائيلي! ضاربين عرض الحائط بمشكلات اليوم التالي: التوطين السياسي للاجئين والنازحين، وتجنيس أكثر من مليون مهجر إضافي، والاضطرار إلى إعادة هيكلة الدولة على هذا الأساس، مما يؤذن بانفجارها الحتمي.
لا يقولنّ أحدٌ إن هذه مفاوضات ‘تفوت’ ـ كسواها ـ ولا حدا ‘يموت’؛ كلا. كل ما عرضناه، سابقا، فرصة أميركية ـ إسرائيلية غير مسبوقة. وهذا هو السبب في الإلحاح الأميركي على اغتنامها بأي ثمن، حتى لو كان إحداث انقلاب في إسرائيل، إذا لم تع مصالحها التاريخية.