غزة: صراع بين مشروعين

رأيتُ وزير خارجيتنا، ناصر جودة، تائها حائرا معزولا في غزة. طبعا، فالأردن خارج المعادلة؛ ليس عضوا في محور قطر ـ تركيا ـ مصر ـ حماس، وليس صديقا لمحور إيران ـ سورية ـ حزب الله ـ الجهاد الإسلامي.هل ستظل عمان مقيّدة بصلاتها القديمة الميتة وعاجزة ومشلولة؟

تحت مشهد العدوان والمقاومة البطولية ومفاوضات التهدئة في غزة، يمكننا أن نرى الصراع بين مشروعين للقطاع؛ مشروع إقامة ‘ دبي’ فلسطينية متصلة بمصر ـ كجزء من تسوية الانفصال عن ضفة غربية متصلة بالأردن ـ ومشروع المقاومة.

يقف وراء المشروع الأول، التحالف القَطري التركي الإخواني المصري المدعوم من الولايات المتحدة ـ وله في حماس نفوذ وأدوات ـ ويقف وراء المشروع الثاني تحالف إيران وسورية وحزب الله، المدعوم من روسيا ـ وله في حماس وفي القطاع، نفوذ وحلفاء ـ فلسطينيا، فإن كلا المشروعين يستلزمان الرد العملي نفسه؛ فالذاهبون إلى مناخات التسوية يحتاجون إلى تحسين شروط الهدنة الطويلة المدى ( واقعيا = التسوية) بما يكفل الإطار الأمني والسياسي لإمارة غزة المزدهرة، بينما المصرّون على بناء القطاع المقاوم، تحيّنوا الفرصة لتقديم النموذج المستقبلي الذي يريدونه. وهكذا، قامت على الأرض المشتركة لهدفين متناقضين، ‘غرفة عمليات موحدة’ ضمت التيارات والفصائل المتصارعة سياسيا.

نحن يناسبنا ـ شئنا أم أبينا ـ مشروع المقاومة لأنه يحفظ القضية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني الفلسطيني على أرض فلسطين. ولا يناسبنا مشروع الإمارة المنفصلة، فهو يلقي بعبء ما بقي في الضفة الغربية من تجمعات سكانية على كاهلنا، ويقودنا إلى ظروف الكونفدرالية والوطن البديل.
موضوعيا، ليس لنا مكان مع الخليج ومصر وتركيا. مكاننا الضروري، استراتيجيا، هو مع إيران وسورية وحزب الله، ومدخلنا الطبيعي إلى هذا الحلف، يمر عبر إحياء صلاتنا التقليدية مع العراق.

المقاومة الغزية الباسلة هي الآن على شفا نصر ـ سياسي طبعا ـ. لكنه نصر قد يقود إلى سادات فلسطيني آخر أو إلى تجربة تقارب تجربة حزب الله في لبنان. صوت حماس حتى الآن هو صوت خالد مشعل الذي أعاد التأكيد، مجددا، على خياراته السياسية مع الحلف الخليجي التركي الأميركي، بما في ذلك تكرار التذكير بالخلاف مع إيران حول الملف السوري. يعيدنا موقفه هذا إلى السادات الذي كان يصنع ‘نصره’ في ‘اكتوبر’ الـ73 بالأسلحة الروسية، بينما يشتم موسكو، ويغازل واشنطن، ويرتّب للصفقة المقبلة معها. وهي صفقة ـ إذا وقعت ـ سوف يدفع الأردن ثمنها غاليا.

لا مجال للحيرة والتردد والمكوث في العزلة والمحاولات البائسة لاسترجاع دور انتهى؛ مصالح الأردن الاستراتيجية تقتضي الذهاب إلى مقاربة جديدة لسياساته الخارجية، آخذا بالاعتبار حقيقة قائمة ـ أحببناها أم لا ـ وهي أن نهج الممانعة والمقاومة هو خط الدفاع الأول عن الكيان الأردني.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.