عودة إلى لحظة التأسيس ..

نبهت حملة إبراهيم باشا, ابن حاكم مصر القوي محمد علي, على بلاد الشام (1831 – 1840) السلطات العثمانية إلى: (أ) قوة المتحدات الفلاحية في مرتفعات شرق الأردن. (ب) تمتعها بفائض إنتاج ملائم لتمويل إدارة مركزية في الإقليم. (ج) إمكان زيادة الرقعة الزراعية. (د) إمكان توطين البدو, ووضع حد لسيطرة القبائل على طريق الحج . وهذا ما حدا بالعثمانيين إلى تأسيس إدارات محلية في إربد ثم في السلط ثم في الكرك. وقد عملت هذه الإدارات على خلق الأطر الأمينة الإدارية والتمثيلية للتسيير المحلي, وتنشيط مشاريع البنية التحتية والخدمية, ما ساهم جدياً, في الدفع باتجاه نهضة زراعية أحدثها, بالأساس, الطلب المتنامي على السلع الزراعية المنتجة محلياً (ولا سيما الحبوب والمواشي) في الأسواق المجاورة, ومنها, جزئياً, إلى أوروبا.
وفي هذا السياق , تصاعدت وتيرة الاستقرار والتحضر, ونشأت (أو أعيد إحياء) مئات البلدات والقرى الزراعية,( مثلا مادبا والفحيص ) وزادت المساحات المزروعة, بل وأُنشئت مشاريع زراعية كبيرة مدعومة من ‘مصرف التسليف الزراعي’ الذي أقامه العثمانيون لهذه الغاية بالأساس. وربما كانت الخطوة الحاسمة في كل ذلك, هي قيام السلطات بتسجيل الأراضي والعقارات, وإقرار الواجهات العشائرية, ما شكل إطاراً قانونياً للملكيات واستخدام الأراضي, وأطلقت حركة الاستثمار في الزراعة, ليس بالنسبة للعشائر الفلاحية فقط, وإنما بالنسبة للعشائر نصف البدوية أيضاً. وقد جذبت هذه العملية مهاجرين من فلسطين للاستثمار أو العمل في الزراعة, ومن سورية للاستثمار أو العمل في قطاع الخدمات التجارية والحرفية, الذي أصبح ضرورياً في البلدات الجديدة. هذا, بالإضافة إلى المهاجرين الشركس الذين جلبتهم الحكومة العثمانية, وأقطعتهم أراضي زراعية, في إطار ميلها إلى تشجيع الاستقرار والعمل الزراعي وتشكيل مستوطنات حليفة.

إن هذه العملية, برمتها, هي التي شكلت الملامح الأساسية للبنية الاجتماعية الأردنية التي كانت قد استقرت مع مطلع القرن العشرين وتشكلت صورتها التي طبعت في النهاية, الأردن الحديث, بطابعها.

وقد لعبت شبكة التلغراف والخط الحديدي الحجازي (1908) دوراً مهماً في ربط أجزاء البلاد, التي كانت قد تعمقت العلاقات الداخلية فيما بينها بفضل السوق الداخلية الناشطة ومراكزها الحضرية, وأهمها مدينة السلط’ في الوقت الذي بدأ العثمانيون يكتشفون أهمية عمان, بوصفها مركزاً إدارياً وعسكرياً على مستوى البلاد. وجدير بالاهتمام بالفعل ذلك المشروع العثماني الموءود, لإنشاء ولاية باسم ‘معمورة الحميدية’, في الأراضي التي تشكل الأردن الحالي, على أن تكون مرتبطة مباشرة بالباب العالي, وعاصمتها الإدارية, عمان. فهذا المشروع بالرغم من أنه لم ير النور إلا أنه يعطينا إشارة قوية على حجم التحولات الاقتصادية والاجتماعية السياسية التي شهدها شرق الأردن, خلال القرن التاسع عشر, ونوعيتها, والتي أدت إلى نشوء المعطيات اللازمة لقيام كيان وطني في البلاد.

وقد كانت هذه المعطيات في صلب تفكير الزعامات الوطنية التي طالبت في اجتماعها الشهير في أم قيس (1920), بإنشاء ‘حكومة عربية وطنية مستقلة مركبة من لواءي الكرك والسلط وقضاءي عجلون و جرش’ (أراضي الأردن الحالي), والطلب ‘بشدة وإلحاح تشبث الحكومة البريطانية بضم لواء حوران وقضاء القنيطرة إلى هذه الحكومة’, والتمنّي أن يتبعها قضاء مرجعيون وصور تحت انتداب دولة بريطانيا العظمى على الشروط التالية:

أ- أن يكون لهذه الحكومة أمير عربي.

ب- أن يكون لهذه الحكومة مجلس عام لوحدة البلاد وسن القوانين وإدارة الشؤون الداخلية وتنظيم الميزانية.

ج¯¯ – أن لايكون لهذه الحكومة أدنى علاقة بحكومة فلسطين.

د – أن تمنع المهاجرة الصهيونية بتاتاً إلى داخلية هذه الحكومة, ويمنع بيع الأراضي لهم.

ه¯¯ – أن يكون لهذه الحكومة جيش وطني.

و – إعفاء المجرمين السياسيين داخل المنطقة, وعدم تسليم أي مجرم سياسي يلجأ إليها.

ز- الحكومة الوطنية هي التي لها الحق وحدها بتجريد السلاح أو بقائه بأيدي الأهلين.

ح¯ – حرية التجارة بين هذه الحكومة وما جاورها من حكومات, وإعطاؤنا حقنا من واردات الجمارك في سورية.

ط – الحصول على حق إدارة الخط الحديدي الحجازي.

ي – أن يكون شعار هذه الحكومة الآن العلم السوري ذا النجمة.

ك – الحكومة البريطانية تتجامل معنا بإعطائنا (.) السلاح ..

ل – نكرر طلبنا بأن تكون حكومة بريطانيا العظمى منتدبة على عموم سوريا تأميناً للوحدة.

م – أن تكون حدود المنطقة غرباً نهر الشريعة (الأردن).

ن – أن تكون مراجعتنا لفخامة نائب الملك باعتباره نائب ملك إنكلترا فقط (وليس المندوب السامي في فلسطين).

س – الحكومة البريطانية تتعهد بصد الفرنسيين..

وقد أجاب البريطانيون على هذه المطالب, كتابةً, وسميت الوثيقتان ‘معاهدة أم قيس’. وننتقي من الإجابات البريطانية, أبرزها:

– نوافق على تشكيل حكومة عربية مستقلة تحت انتداب حكومة بريطانيا..

– لا علاقة البتة لحكومة هذه البلاد بحكومة فلسطين..

– منع الهجرة الصهيونية ومنع بيع الأراضي لليهود عائد لحكومة البلاد.

– تقدم الحكومة البريطانية الأسلحة مقابل ثمن.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.