العرب اليوم
آراء وتعليقات
ناهض حتّر
“حرية الصحافة أثمن من المساعدات . . . إذا كان القصد-بالفعل-إنشاء الديمقراطية الأردنية”
صيف العام 1998 لم يكن ممكناً – بسبب ظروف معقدة. اعتقالي، فاعتدى عليَّ اربعة عتاة بالضرب حتى الموت لولا رحمة الله.
وبالنظر الى ما قاسيته، لعام كامل بعدها، كان الاعتقال أفضل!
أتذكر ذلك لأقول: إن منع حبس الصحافي-وإن كان تطوراً جيداً جداً-فهو لن يضمن، أبداً، حرية الصحافي، وربما كان أولئك المستعدون لدفع ثمن الكلمة، غالياً، معدودين بلدنا. ولذلك، فإن القضية الأساسية ليست في هذا المجال، بل في مجال آخر، حيث تسيطر شبكة معقدة من الاعتبارات.
قد لا يحبسك أحد، ولا يعتدي عليك أحد ولكنك ستواجه مصاعب متنوعة في حياتك العملية والمهنية: كالحد من الترقية، والتعتيم، والحرمان من المواقع والمناصب والهبات . . . إلخ انتهاءً باغتيال الشخصية وعلى كل حال، يمكن أن يجد الكاتب الحر المصمم نفسه أسير تهمة إرهابية أو حتى مالية أو أخلاقية.
طريق الحرية، وعر وخطر ومآله ليس مأموناً على كل حال.
بالمقابل، هناك آليات التنفيع وهي كثيرة من الأموال المجردة النقدية إلى المواقع إلى المكاسب إلى الفرص والامتيازات والإضاءة ولا بد أن تكون ابن أبيك لكي تقاوم المخاطر والإغراءات معاً. وبالتدريب الذاتي، سوف تتوصل إلى أحد ثلاثة مصائر: السقوط أو فقدان اللون والمعنى أو أن تكون «محترماً». وهذا يعني حلاً وسطاً بين الانقماع-دون الابتذال-وبين الحرية المقيدة-وهناك حالات فريدة تفلت من هذا التصنيف، وتفرض حضورها الخاص -على الرغم من كل التعقيدات المراد ذكرها وهو ما يحتاج إلى المثابرة والعلو في المهنة والصبر والدعم الاجتماعي.
من أجل فتح الطريق أمام حرية الصحافي، فلا بد أولاً من تحقيق شرطين أساسيين هما «١» حصوله على أجر لائق، أسوة بزملائه من المهنيين… علماً بأن الصحافي المتميز يبذل من جهود التعلم والتدريب والإرهاق والمثابرة ما لا يقل عن طبيب أخصائي. «2» المهنية الصارمة التي لا تسمح الا للمهنيين والأكفياء والجادين بممارسة المهنة، والانضباط بتقاليدها، ولا تسمح، كذلك بتولي مواقع المسؤولية الإعلامية إلا على أسس مهنية.
وتحقيق هذين الشرطين، سوف يمنح الصحافي القدرة والاعتزاز الذاتي معاً لمقاومة الضغوط والإغراءات إلا من كان غير محصن أخلاقياً غير ان حرية الصحافي تجد فضاءها الأساسي في أجواء الحصانة. فعلى الدولة بأجهزتها والمجتمع أن يتعاهدا على حصانة الصحافة والصحافي، من الحبس والمضايقات والتعتيم وخسارة الفرص… إلخ.
وعلى الرغم من أنني أنا نفسي سياسي بالدرجة الأولى وأكتب للصحافة، فإنني أنظر إلى اندراج السياسيين في هذا السلك بشيء، من عدم الارتياح والريبة. أي إذا كان السياسي في نشاطه الصحافي مستقلاً وملتزماً-بصورة قاسية-بالشروط المهنية وبخلاف ذلك، فلسوف تصبح الصحافة منبراً لأجندات وهذا يمكن أن يتحقق-ولا ضير في ذلك-من خلال مشاركات بين الحين والآخر ولكن ليس من خلال عمود ثابت.
ولدينا الى ذلك-الكثير من الهواة في بلدنا، يصرون على المشاركة في الكتابة للصحف. وهؤلاء يحظون بمساحات وأمكنة لا تسمح بها الصحافة الملتزمة بشروط المهنة. ولعل 70 بالمئة من المشاركين في الكتابة الصحافية في الأردن لا يحظون بهذه الميزة في بلد مثل لبنان، حيث لا تفرد الصحف مساحات إلا للمكرسين.
وبالنظر إلى هذه اللوحة المعقدة بتفاصيلها، نلاحظ الغياب المفرط للفنون الصحافية المعروفة كالتحقيقات والتقارير الميدانية الإبداعية، في الصحافة الأردنية، لصالح مقالة الرأي.
مساء أمس الأول، كان رئيس الوزراء د. عدنان بدران، يتحدث عن حرية الصحافة التي يراها بلا حدود، سوى انه قيدها بعدم التعرض للأشخاص، والوحدة الوطنية، والأمن الاقتصادي والعلاقات العربية وبعد ذلك «فأنتم أحرار!» وقد قلت له ماذا بقي؟ الأشخاص المحصنون من النقد هم المواطنون العاديون المنسرحون في حياة خاصة شخصية، لكن الذي يتصدى لموقع عال، سياسي أو إداري، فعليه أن يستعد للنقد. وكذلك هناك فارق نوعي بين التحريض على إثارة الفتنة مهما كان نوعها، وبين النقاش السياسي الحر للمسائل المتعلقة بالوحدة الوطنية، ومن نافلة القول ان الشأن الاقتصادي هو قضية عامة وليس مجالاً تخصصياً لمجموعة من الكهنة المعزولين في غرف الاجتماعات. وأخيراً، فإنه لا يمكن للصحافي الأردني أن يتجاهل ما يحدث في البلدان العربية. لقد قلت للرئيس أنني بطبيعة الحال، مع المقاومة العراقية-وسأظل معها-وهذا يعبر عن تيار واسع جداً بين الأردنيين. ولن أصفها بالإرهاب من أجل تحسين العلاقات مع السيد إبراهيم الجعفري وحكومته التي جاءت، على ظهور الدبابات الأمريكية.
وكذلك، فإنه إذا كان الواجب المهني يفرض على الصحافة الأردنية، تغطية الأحداث العراقية بصورة موضوعية، فمهنية الصحافة-قبل حريتها-تفرض عليها تغطية حركة التغيير الديمقراطي مصر، والنقاش السياسي في السعودية، والصراعات السودانية، ومتابعة الأزمة السودانية، والسجال حول مستقبل سورية فنحن جزء من هذا العالم العربي. وعلى كل حال، فإن الحرية أثمن من المساعدات هذا إذا كنا نريد حقاً ان نبني الديمقراطية الاردنية.0