أعلنت كتائب القسام »حركة حماس« وقف »التهدئة« مع الاحتلال, ووجهت الثلاثاء الماضي, ثمانين صاروخاً الى اهداف اسرائيلية. الصواريخ لم تحقق اصابات. وربما قصد مطلقوها ذلك باعتبارها »طلقة تحذير« لا غير, الهدف منها تحريك موقف ما. وقد وصلت »الرسالة«, إذ دعا رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان, الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس »حماس« خالد مشعل الى اجتماع عاجل في القاهرة, للبحث في »التهدئة« وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينيةيعني: يمكننا ان نتوقع السيناريو الآتي: تباطأت »فتح« في تنفيذ احد بنود الاتفاق الثنائي مع »حماس« بشأن توزيع الحصص في »المنظمة« أو تراجعت عن تنازل سابق, فقررت »حماس« الرد على سقوط شهداء فلسطينيين في عدوان اسرائيلي برشقة صواريخ – بلا قتلى أو جرحى اسرائيليين – من أجل ارغام الوسيط العربي على التدخل, والرئيس الفتحاوي على الامتثال. لكن الاحتلال – على الرغم من انه يدرك المشهد كله – توعد بـ »عمليات قتل محدودة« في غزة. وهكذا, فان فلسطينيين جدداً سوف يدفعون ثمن المناورة الحماسية! بعد رشقة الصواريخ الصوتية تلك, ظهرت قيادات سياسية وميدانية من »حماس« على الفضائيات – بصورة كثيفة, واكدت ان استمرار »التهدئة« مع الاحتلال لم يعد ممكناً, بسبب الخروقات الاسرائيلية المتواصلة وبالاعتداءات على الضفة الغربية.
وانه آن الأوان للمقاومة ان تهب للدفاع عن الفلسطينيين. لكن التصريحات الساخنة, تلاشت وتبخرت: وغدت »التهدئة« ممكنة مرة اخرى.
يلخص هذا السيناريو مأساة الشعب الفلسطيني مع مقاومته المسلحة منذ انطلاقتها العام 1965 وحتى الآن. فبينما تكبد هذا الشعب البطل تضحيات جسيمة في كل المواجهات, فان المقاومة المسلحة لم تكن, ابداً, نهجاً استراتيجياً في زمن »فتح« أو في زمن »حماس«, بل وسيلة باهظة التكاليف, لتحقيق مكاسب سياسية داخلية على الساحة الفلسطينية او العربية, في سياق استراتيجية »التسوية«.
و»التسوية« – كانت وهي الآن – غير ممكنة بسبب الاختلال في موازين القوى. ففي, النهاية, لن تتراجع اسرائيل إلا تحت ضغط مقاومة مستمرة ومثابرة وفعالة ومؤذية, لا تنطلق من عقلية »الانتقام« أو »الثأر« أو الدفاع« ولكن من عقلية القتال حتى تحقيق الاهداف الوطنية. وفي هذه الحالة, سوف تهون التضحيات مهما كانت فادحة. ولكن لماذا يتوجب على الفلسطينيين. تسديد فاتورة الدم والحصار والجوع في لعبة صراع الفصائل والمناورات السياسية؟
لقد كان مذهلا – بالنسبة لي – ما أظهره الفتحاويون والحماسيون, معا, من كفاءة قتالية وعزيمة حديدية في الاحتراب الثنائي. وهما كفاءة وعزيمة لا نلاحظهما, في غالب الاحيان, لدى مواجهة الاجتياحات الاسرائيلية.
اندرجت »فتح«, منذ اوسلو, في تكتيكات الصفقات الجزئية مع الاحتلال, بينما لا تستطيع »حماس« الادعاء بانها تتبع استراتيجية المقاومة, فهي اندرجت, ايضا, في مشروع »السلطة«. وهاتان القوتان الرئيسيتان تتصارعان, في الواقع, على المقعد الفلسطيني على الطاولة العربية – الاسرائيلية.
نحن, من موقع تحليل عناصر الصراع, في مستوياتها المتعددة, نؤيد المقاومة المسلحة ضد المحتلين الاسرائيليين, بشرط ان تكون تلك نهجا استراتيجيا, لا وسيلة للرد على اعتداءات او الثأر لمقتل قيادي او تحريك مباحثات داخلية او اقليمية ..
»فالدفاع« هو نهج دولة قائمة سيدة, والثأر هو نهج قبلي, والتحريك هو نهج انتهازي .. بينما المقاومة المسلحة بالنسبة لشعب تحت الاحتلال, هي نهج حياة يشمل جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واليومية, ولا يمكن تنظيمه بوساطة حكومة تسعى الى علاقات عربية ودولية, للحصول على »مساعدات« اوروبية وامريكية .. الخ.
لا يعني ذلك ان »فتح« تسير في الطريق الصحيح, كلا, فالمصيبة ان »حماس« هي »فتح« رقم .2 وانها تغذ الخطى في الاتجاه نفسه.
nhattar@jnb.com.jo