ناهض حتّر
القصيدة العرارية نسيج فريد من الايقاعات والرؤى والالفاظ والامكنة والناس… يربطها سياق اساسي هو سياق الصراع الوطني الاجتماعي في اردن العشرينات والثلاثينات وبعض الاربعينات.
واذا كانت القصيدة العرارية ذات مضمون خيالي وأبيقوري صريح من حيث انها ترى في تصعيد الصحو، بالخمرة وبالعشق… المعنى الاساسي للحياة، فهي لا ترى هذه الحياة الا في الوطن، وبالعلاقة مع وجدانه ولغته وقضاياه، بل اننا نجد في تقديس القصيدة العرارية للموطن -باعتباره محلاً وجزءاً لا يمكن اختصاره من الحياة البوهيمية المشتهاة -ظلالاً لتقديس الاردني لموطنه “طوطمية المكان” حيث ترتسم. بين المكان واهله، علاقة بحيث ان كل ما يحدث، خارج المكان، يغدو بلا معنى، وبحيث يظل المكان، بكل وجدانه الاجتماعي والثقافي، حاضراً في وعي “المغترب”.
من الوله بالمكان الى الولة بالانثى، نكتشف، عند عرار، اخلاصه لتقديس الاردنيين للمرأة “طوطمية الانثى” في علاقتها بالمكان وبالحياة. بالعصبية. (انظر “الملحق”: النساء والحب في التراث الاردني) وكذلك، اخلاصه لنزوعاتهم الديمقراطية التقليدية: المساواتية ضد الامتيازات، والحرية ضد الاستبداد، والتسامح الديني والاخلاقي ضد كل اشكال التعصب.
لم اعرف مصطفى وهبي التل “عرار” من الكتب او المدرسة، بل من الناس.
وكان مصطفى التل، بالرغم من انه فصيح يجاور، وحده، القصائد الشعبية المتداولة بين الاردنيين، وقد لاحظت ان العامة لم تكن تخاف من شعره او تتهيب انشاده، كما تفعل–عادة-مع الشعر الفصيح، بل تتجرأ عليه، وتحوره، وتنطقه بين العامية والفصحى، ولطالما أحسست بأن لغة “عرار” هي، بالذات لغة الاردنيين. وسطاً بين اللهجات، ونهجاً ثالثاً بين الكتب والحياة كأنها-على السليقة، اعطتهم القدرة على التعبير المفعم بالحيوية، بمقاطع شعرية ذات ايقاع مستمد من موسيقى الشعب من بحور الخليل بن احمد الفراهيدي.
لقد اعطى “عرار” للاردنيين القدرة على القول في الحب، والسياسة والوطنية، اللوعة، والاشتياق، والتحسر، والسخرية، والغضب، والنقد الاجتماعي، وتمجيد القرى والمدن والاوابد، وتأكيد القيم الاردنية في المساواتية والحرية والادباء…