عمون – بيروت – خاص – قدمت إلى بيروت ، في جمعة انتخابات الرئاسة، وأنا أتوقع يوماً عاصفاً .. لكن العاصمة اللبنانية كانت هادئة إلى حد السكون، ما جعل انتشار الجيش أكبر من اللازم… يوم ممل آخر من الغموض والالتباسات. لم تذهب جبهة 14 آذار إلى خيار انتخاب الرئيس بالنصف زائدا واحد، وقبلت بالتأجيل أسبوعا آخر. بل أن ‘ صقر’ الموالاة ، وليد جنبلاط، أدلى بتصريحات تهدئة تعكس مخاوفه من التصعيد. سعد الحريري هدّأ أيضا، بينما واصلت جماعة سمير جعجع ، الحرب الكلامية. وكأن هذه ‘ الجبهة’ تتصدع .
ولا يستطيع المرء إلا أن يلاحظ التصدع ، كذلك، في جبهة المعارضة. فالرئيس نبيه بري يسير باتجاه صفقة مع الموالاة، بينما خفض حزب الله ، لهجته بالإلحاح على ‘ التوافق’ . وفي اللحظات الأخيرة من عمر رئاسة إميل لحود، اكتفى بإعلان حالة الطوارئ، وتكليف الجيش بالأمن، مستنكفا عن إقالة حكومة فؤاد السنيورة، وتشكيل حكومة وطنية تستلم سلطات الرئاسة. وهذا يعني ، واقعيا، انتقال السلطات إلى الحكومة الحالية ، لن تصادف مجابهة حاسمة، إذا التزمت بكونها ، منذ الآن، حكومة تصريف أعمال.
وتُرجع المصادر اللبنانية، هذه الحالة الملتبسة، إلى ضغوط أميركية وسورية وايرانية ، تستهدف تجميد الأزمة اللبنانية ، إلى حين اتضاح الصورة بشأن المؤتمر الأميركي حول الشرق الأوسط في ‘ أنابوليس’ ، وهل ستحضره سورية؟ وهل سينجم عنه تطور في العلاقات الأميركية مع دمشق وطهران.
وحده : الجنرال ميشيل عون ، خرج من الإلتباس إلى الوضوح والقطع. فقد سحب مبادرته لتسمية رئيس توافقي وأعاد ترشيح نفسه ‘ حتى النهاية’ ، متوعدا أن استمرار حكومة السنيورة في الحكم ، ‘ لن يمر’.
اعتراض عون القوي والمبدأي، سوف يضع حليفه حزب الله، في مأزق جدي. فالحزب الذي يوفر له التيار العوني، الغطاء السياسي الداخلي الوحيد، يصعب عليه أن يغامر بالتحالف مع العونيين، في حين أنه أقل استقلالا في اتخاذ قراراته.
دمشق وطهران تتجهان نحو التهدئة ، على أساس الإشارات الأميركية الإيجابية المستجدة . ولعل مؤشرات التفاهم الإقليمي والدولي، تكشف حدود الحركة السياسية للقوى السياسية اللبنانية التقليدية في الموالاة والمعارضة.
وإذا كان التيار العوني ـ الذي يؤكد استقلاله مرة بعد أخرى ـ يكظم غيظه، فان قيادات سياسية واعلامية معارضة ، أعربت، في لقاءات مع العرب اليوم ، عن غضبها الشديد من الأداء الضعيف لجبهة القوى المعارضة، وإمكانية وقوعها في فخ يجدد لحكومة السنيورة في الحكم ، بينما تخلى المعارضون ، في آخر لحظة، عن أهم أسلحتهم ، وهي صلاحية رئيس الجمهورية، في تشكيل حكومة وطنية. وسوف تصدر صحيفة ‘ الأخبار’ المعارضة ، المقربة من حزب الله، اليوم، بمواقف نقدية متشددة إزاء أداء المعارضة.
يقال في بيروت أن السر وراء الالتباس الحاصل في المواقف هو تمكين الرئيس السنيورة، من حضور مؤتمر ‘ أنا بوليس ‘ ، وتسهيل حضور سورية لهذا المؤتمر الذي ينظر إليه الكثير من المراقبين كمؤتمر علاقات عامة لإدارة الرئيس بوش ، وتغطية التفاهم الاستراتيجي بين تل أبيب ورام الله ، في مواجهة حركة المقاومة الإسلامية ‘ حماس’ والتمهيد لاجتياح غزة.
ويتساءل مراقبون مقربون من سورية في لبنان حول جدوى حضور دمشق مؤتمر ‘ أنابوليس’ ، بينما استقر القرار الأميركي ـ الإسرائيلي، على تجاهل فتح باب المفاوضات مع سورية، بل والتحضير لضربها.
ما يزال الصدام الحاد ممكنا ، وإنْ مؤجلا، في لبنان ، طالما أن القضيتين الرئيسيتين في ميدان الصراع الداخلي قائمتين:
ـ 1ـ سلاح المقاومة التي تلح واشنطن على نزعه
وـ 2ـ إعادة الاعتبار للطائفة المسيحية في تركيبة النظام اللبناني . وهي الطائفة المهمشة منذ مطلع التسعينيات، ويلح الجنرال عون على استعادة موقعها في القرار بأي ثمن.