ناهض حتّر
يوماً بعد آخر، يتضح ان الصراع بين «فتح» و«حماس»، مرشح للتفاقم، سياسياً وأمنياً، ما يهدد الأراضي الفلسطينية المحتلة بالانحدار الى ما يشبه الحالة الصومالية.
السجال السياسي العنيف والاشتباكات المسلحة ومعركة الصلاحيات والاجراءات والاجهزة بين الرئاسة الفتحاوية والحكومة الحماسية، كلها مظاهر أولى لانشقاق عميق في المجتمع الفلسطيني بين تيار منظمة التحرير الفلسطينية والتيار الاسلامي. وتكمن عناصر هذا الانشقاق في بنية «السلطة»، والمصالح، والاصطفافات الاجتماعية، والرؤى الثقافية والاخلاقية والسياسية. بالاضافة الى انها مشحونة بشتى الانشقاقات التقليدية في المجتمعات العربية بما في ذلك العشائرية والجهوية، من دون ان ننسى التوترات الخاصة بالمجتمع الفلسطيني بين الريف والمدينة، وبينهما وبين المخيمات الخ.
ولقد كانت الحركة الوطنية الفلسطينية – بكل نقائصها – ذات فضيلة اساسية، انها تجمع المتناقضات الثانوية، وتوحد المجتمع الفلسطيني في سياق سياسي واجتماعي وثقافي واحد.
وهذا الانجاز، مهدد الآن، بالانفراط والتذرر والغرق بالدم، عشية هزيمة تاريخية جديدة للقضية الفلسطينية، حين ينشأ الشرط المحلي والاقليمي والدولي للقبول «بحقيقة» و «واقعية» خطة أولمرت «للانفصال من طرف واحد» وتحطيم الأسس الجغرافية والديمغرافية والسياسية لقيام الدولة الفلسطينية.
لا تكمن قوة الفلسطينيين – ولم تكن في يوم من الأيام – في العمل المسلح ضد اسرائيل – وقد كانت حصيلته الفعلية، دائماً، قليلة – بل كمنت في وحدة الشعب الفلسطيني وصموده واصراره على الوجود على الخارطة في وطن خاص. فيا للمأساة ان يخسر الفلسطينيون أهم أسلحتهم، بينما يتقاتلون بالسلاح على مرأى من الذئب الصهيوني.
من الواضح ان «فتح» لا تعترف، فعلياً، بالانتصار السياسي الذي حققته «حماس» وهي مصممة على عرقلة الحكومة الحماسية، وتشديد الحصار الامريكي – الاسرائيلي – العربي عليها، وخنقها، واخيراً الانقلاب المسلح على الشرعية الانتخابية. وهو ما يؤذن بكارثة على الجميع. بالمقابل، فان «حماس» التي حازت على تأييد الأغلبية الفلسطينية، لم تستطع ان تبلور سياسات حكومية تحظى بالاجماع الوطني، وما تزال تتصرف بروح وعقلية «الفصيل».
ان النزوع الفصائلي وغياب تجربة وفكرة الدولة، هما أسوأ مظاهر الحياة السياسية الفلسطينية. وقد عرقلا، دائماً، تطوّرها ونضجها. أما الآن، فقد وصلا بالفلسطينيين الى مأزق تاريخي، سوف يكون ثمنه غالياً جداً بالنسبة لفلسطين والاردن والعرب.
انها لحظة مريرة للغاية على أول المنزلق، تفرض على كل القوى الحية والشخصيات ذات الضمير، المبادرة العاجلة لاحتواء الصراع الفتحاوي – الحماسيّ.
وهذه المبادرة مطلوبة، اولاً، من الأغلبية الفلسطينية الصامتة في الوطن والمهاجر. فأمام الفلسطينيين الآن مهمة اساسية اولى هي اظهار وحدتهم ورفضهم الاقتتال الاهلي، وادانتهم له، بغض النظر عن التفاصيل، ادانة شاملة من حيث المبدأ، تخلق ثقلاً معنوياً من شأنه ان يجمد الاقتتال والسجالات السياسية العنيفة، ويضغط على الاطراف من أجل التفاهم على برنامج سياسي مشترك وحكومة وحدة وطنية.
وهذه المبادرة مطلوبة، ثانياً، من الاردن – المتضرر العربي الأكبر من انهيار المجتمع الفلسطيني – فلم يعد مقبولاً، لحظة واحدة، توتير او تجميد العلاقات مع الحكومة الحماسية وتقديم الدعم للرئاسة الفتحاوية و«فتح». فهذه السياسات تصبّ في تأجيج الصراع الذي تتطلب المصالح الوطنية الاردنية، اطفاءه، من خلال سياسة تدخلية صريحة ومحايدة ومباشرة، وتهدف، بوضوح، الى تكوين جبهة فلسطينية – اردنية موحدة في مواجهة خطة أولمرت القائمة على تدمير الكيانين الفلسطيني والاردني.
وبالنسبة للفريقين المتصارعين، فانه لا بد من ممارسة ضغوط فلسطينية واردنية وعربية على «فتح» للقبول بالشريك الحماسي في السلطة؛ وعلى «حماس» لانهاء مرحلة الشعارات الديموغوجية وفوضى المواقف، وتقديم برنامج سياسي واقعي لممارسة الحكم. وبغير ذلك، فمن المشرف ان تتقدم حكومة «حماس» باستقالتها، وتلتزم خط المعارضة.
لم أخف، ابداً، تعاطفي مع «حماس» ولكنني لم أعد أفهم استراتيجيتها. الأرجح ان هذه الاستراتيجية غير موجودة اصلاً، او قل انها فوضى التيارات والتكتيكات:
تكتيك انتخابي قائم، موضوعياً، على الاعتراف بالسلطة وبرنامجها وحدود ال¯ .67
تكتيك سلطوي اسلاموي بازاء المجتمع كله وقائم، موضوعياً على الاعتراف الواقعي بخطة أولمرت.
– تكتيك ثوروي قائم، موضوعياً، على الالتحاق الفصائلي بالمحور الايراني.
افلا تتطلب هذه الفوضى من الحركة الاسلامية الاردنية، التدخل من أجل توحيد المسار الحماسي، وضبطه في سياق المصالح الفلسطينية – الاردنية… او النأي، صراحة، عن فوضى «حماس».