ناهض حتّر
لعلّه من المناسب أن نضع مطابخ القرار في الدول العربية المعتدلة، أمام بعض الحقائق التي قد تساهم في تكوين رؤية جديدة إزاء استراتيجية بوش الصغير، الجديدة في العراق والمنطقة.
الحقيقة الاولى – ان اتجاه الرأي العام في البلدان المعتدلة – ولا سيما الاردن ومصر وكذلك السعودية- نحو العداء لإيران وحلفائها العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين، لا يمكن التعويل عليه كضمانة للانخراط في مخططات حربيّة، من أي نوع، إزاء الايرانيين.
العداء الشعبي للحلف الايراني هو لحظة غضب- محقّة- إزاء صدمة الاعدام الانتقامي للرئيس الراحل صدام حسين. لكنها لحظة عابرة سوف تتبدد مع اول هجمة امريكية على الايرانيين. فالعداء الشعبي لهؤلاء ليس ناجما – بالاساس- عن تعصب مذهبي او قوموي، بل هو ناجم – تحديدا- عن تحالفهم مع الاحتلال الامريكي في العراق. فإذا انقلبت المعادلة، ودخل الطرفان في صراع سياسي وعسكري، فإننا نراهن على ان المزاج الشعبي في بلدان الاحتلال سوف ينقلب رأسا على عقب. وهو ما كنا شاهدناه اثناء المواجهات بين العدوان الاسرائيلي وحزب الله في الصيف الماضي.
تضامن الشعوب العربية مع المقاومة العراقية، ومع سنة العراق، يأتي في إطار العداء للتحالف الامريكي- الاسرائيلي.. ولا يمكن تجييره لهذا التحالف او للانظمة السياسية العربية المعتدلة.
الحقيقة الثانية- ان خطة بوش للتصعيد في الوقت نفسه ضد منظمات المقاومة السنية، ومليشيات الصدر، سوف يؤدي حتما، الى اشتعال غير مسبوق للعمليات العسكرية ضد الاحتلال الامريكي، والى دعم غير مسبوق من طهران ودمشق لحلفائهما في العراق، درءا – على الاقل – لهجمات امريكية مباشرة على البلدين.
الحقيقة الثالثة- ان ادارة بوش – تشيني هي في موقف سياسي ضعيف للغاية داخل الولايات المتحدة الامريكية، وهذه الادارة تعمل ضد التيار في امريكا والعراق معا، وبالنظر الى وضعها المعزول، داخليا ودوليا، وتجربة العراق، فإن حربا امريكية شاملة على ايران، ستظل مستبعدة، في حين ان الضربات الصاروخية والقصف الجوي، لن يضعفا النظام الايراني، بل سيقويانه، ويدفعانه الى التصعيد في العراق.
واذا ما قامت اسرائيل بتنفيذ أوامر العدوان على ايران، فستكون المعركة السياسية محسومة، مسبقا، لصالح الايرانيين.
الحقيقة الرابعة: ان تعزيز القوات الامريكية بعشرين الفاً من الجنود لن يصل بعديدها الى ما كانت عليه، مطلع العام ،2005 حين بلغت 160 ألف جندي، بينما ستبلغ الآن، بعد الزيادة 152 ألف جندي. ولن يغير ذلك، ميدانياً، ميزان القوى مع منظمات المقاومة والمليشيات.
الحقيقة الخامسة: ان ضرب الصدريين سيؤدي الى تقويض حكومة المالكي، والى إثارة قتال شيعي – شيعي، سوف تخرج مليشيات الحكيم منه، مهزومة، كذلك، فان الزج بمليشيات البشمرجة الكردية في معارك بغداد، ضد العرب، شيعة وسنة، سوف يفتح جبهة ثالثة للاقتتال الأهلي في البلد، بين العرب والاكراد، يزيد تعقيد الوضع الأمني ليشمل هجمات انتقامية في قلب كردستان العراق.
الحقيقة السادسة: ان حل المشكل السياسي عبر ائتلاف جديد يشتمل على آل الحكيم «ممثلين للشيعة» والاخوان المسلمين «ممثلين للسنة» والاكراد، سوف يؤدي الى حكومة اقلية ضعيفة مهزوزة. وبالمقابل فانه سوف يفتح الباب، أمام تحالف سني – شيعي يستطيع، بالمعايير السياسية والعسكرية معاً، حسم المعركة مع الاحتلال الامريكي.
الحقيقة السابعة: ان التصعيد العسكري الممكن ضد سورية سوف يتم، حكماً عبر الاداة الاسرائيلية. وهو ما سيضع الدول العربية المعتدلة في موقف محرج للغاية، ويقودها، واقعياً، نحو الشلل السياسي.
الحقيقة الثامنة: ان سورية وايران، ليستا في الموقع السياسي نفسه، سواء في العراق او في لبنان، او في فلسطين. انهما حليفان/ متصارعان في الرؤية واحياناً في الميدان – لا سيما العراق – وبينما فتحت توصيات بيكر – هاملتون، الباب لاعادة صياغة التحالف الايراني – السوري، على أسس نديّة، ما يضمن تفكيك «المحور الايراني»، فان استراتيجية بوش العدوانية التصعيدية، سوف تؤدي الى تمتين ذلك «المحور»، وتشديد قبضة طهران داخله.
الحقيقة التاسعة: ان الولايات المتحدة في ما عدا جولات الاستهلاك الدبلوماسي – لن تقدم للدول العربية المعتدلة، الثمن الذي تطلبه، وهو حل القضية الفلسطينية، فهذا الحل سوف يظل يرتبط بميزان القوى العربي – الاسرائيلي، وبالسياسة الداخلية الاسرائيلية.
الحقيقة العاشرة: ان الهزيمة الامريكية في العراق – وهي مسألة وقت – لن تؤذي الانظمة العربية المعتدلة. اذا ما استطاعت ان تنأى بنفسها، في الوقت المناسب «الآن» عن المحور الامريكي – الاسرائيلي. وبخلاف ذلك، فان نبوءة بوش سوف تتحقق.