مستوى مجلس النواب السابع عشر ليس أردأ من مستوى المجالس السابقة، لكن ثلاثة عوامل أظهرته كشيء يثير خجل الأردنيين من أنفسهم، أولها أنهم هم الذين انتخبوه. ولا ينفع، هنا، التذرّع بنظام الصوت الواحد أو القول بالتزوير؛ فلا ننس أن النظام الانتخابي شهد إصلاحا جزئيا يتمثل في إنشاء الدائرة العامة بالقائمة النسبية، وهي لم تفرز نوابا أفضل من نواب الدوائر المحلية. كذلك، هناك قناعة عامة لها ما يبررها بأن العملية الانتخابية كانت، ككل، ذات صدقية، ثانيا، أنهم يرون في مرآة المجلس النيابي الحالي، أكثر من أي وقت مضى، بؤس الحياة الاجتماعية السياسية القائمة على التذرية الفردية. وفي السابق، كان يوجد ضابط إيقاع يسيطر على التذرية، من الواضح أنه لم يتدخل حتى الآن، ثالثا، أنهم يواجهون التناقض الحادّ بين المستوى المتدني لمخرجات الحياة السياسية والعملية الانتخابية، وبين الصلاحيات التي مُنحتْ للمجلس النيابي الحالي في تسمية الرئيس وتشكيل الحكومة. ولا ينفع، هنا، التشكيك بوجود مؤامرة ما في مكان ما؛ فالمجتمع الأردني مفتت موضوعيا بسبب غياب اقتصاد وطني موحّد، كما بسبب عدم حل المشكلات المرتبطة بالديموغرافية السياسية، ونخبه، لهذبن السببين بالذات، غير مسيّسة، ولا يمكنها أن تكون؛ فالتسيّس، في الأردن، كفيل بإخراج المسيسين من الحياة السياسية الرسمية، نيابة وحكومة وإدارة.
يواجه المثقفون الأردنيون، اليوم، مهمة مواجهة المأساة/ الملهاة التي تقبض على عنق الحياة السياسية في البلاد؛ فالنَظْمة المسيطرة ( النظمة ـ السستم ـ أوسع من النظام وتشمله) يشغلها حزب الدولة وحزب الإخوان، وسط التذرية العامة. وهو ما حدا بمعلقين للتفكير بأنه كان ينبغي مراضاة الإخوان وتأمين مشاركتهم في البرلمان، لضمان هيكلة البرلمان سياسيا. المشكلة أن تلك المراضاة اصطدمت بالمشروع الإخواني الإقليمي للاستيلاء على السلطات في المنطقة، مما جعل قضية التفاهم مع الإخوان خارج الحسابات المحلية، ومما جعلهم يدورون في خانة التوقعات الإقليمية أيضا، ويستنكفون عن الشراكة في انتظار فرصة التمكين والاستئثار.
أظهرت المشاورات الخاصة بتسمية رئيس الوزراء، مدى افتقار الحياة السياسية للقيادات. وسنلاحظ، هنا، أن المنافسة تدور بين رجلين هما، بالفعل، رئيس الوزراء الحالي ووزير داخليته لما قبل الحكومات البرلمانية. ولو كان الإخوان موجودين، لربما طرحوا اسم رئيس وزراء سابق أيضا، عون الخصاونة أو حتى أحمد عبيدات. وشو جابت الستّ من دار أبوها؟
يُقال، عادة، إن حزب الإخوان هو أكبر حزب في البلاد. لكن هذا الحزب، أيضا، يفتقر إلى القيادات على المستوى الوطني، مثلما يفتقر إلى البرامج البديلة والكفاءات في إدارة الدولة. وهو ما ظهر، جليا وبصورة فاضحة، في التجربتين المصرية والتونسية.
بالنظر إلى هاتين التجربتين، فإنه حتى لو جاء رئيس إخواني، فإنه سيبرر سياسات الخضوع لصندوق النقد الدولي بما تفرضه من رفع أسعار المحروقات ـ وغدا الكهرباء والخبز الخ، أي تحميل الفئات الشعبية عبء الأزمة المالية الناجمة عن اقتصاد السوق النيوليبرالي ـ كما برّرها الدكتور عبدالله النسور، بأنها ‘سياسات دولة عابرة للحكومات’. يعني ذلك أنها عابرة للبرلمانات والانتخابات والأحزاب الخ أي أنها، عمليا، خارج الصراع السياسي، بل خارج السياسة بوصفها فضاء عاما للتغيير وعقد التسويات.
إذا كانت السياسات الاقتصادية والاجتماعية، كالسياسة الخارجية، ‘عابرة للحكومات’، فما هي، إذاً، ضرورة الديموقراطية والانتخابات والبرلمانات والحكومات البرلمانية؟
العرب اليوم