ضغط سياسي وقدرة عسكرية

ناهض حتّر
فشل المقاومة العراقية – حتى الآن – في استنهاض الحركة الوطنية، وتوحيدها، وتقديم بديل وطني – ديمقراطي عن “العملية السياسية” الامريكية، هو الثغرة، الرئيسية في النضال البطولي للمقاومين العراقيين.
فالمطلوب، في العراق، الآن، ليس فقط، شلّ الاحتلال وهزيمته، وانما، بالاساس، تأمين الشروط اللازمة للانتصار العراقي. وهذه الشروط هي، بالترتيب وحسب الاولوية المطلقة، كالتالي:

1 – خفض الخسائر العراقية وتلافي الموت المجاني والتذابح المذهبي والتهجير وتدمير نخبة المجتمع وقواه الحية، ولا يرتبط، ذلك فحسب بالاسباب الانسانية التي لا تخفى على كل ذي ضمير، ولكنه يرتبط ايضا، بالحفاظ على الطاقات البشرية والثقافية المؤهلة لاعادة بناء العراق الحر الموحد التقدمي.

2 – وبدلاً من مداخلات “المصالحة” التي تقر بالانقسام المذهبي المصطنع للعرب العراقيين، التأكيد على احياء العروبة في العراق، كهوية ومنظور استراتيجي، وتوحيد كل المجاهدين والمناضلين ضد الاستعمار في “جبهة” تطرح تصوراً توحيدياً ديمقراطياً للبلد المنذور كقاطرة للنهضة العربية الثانية.

3 – احياء وتعزيز الثقافة الوطنية العراقية كمظلة واحدة للنضال ضد الاحتلال والتدخل الايراني والنزعات الانفصالية.

4 – الاتفاق السياسي مع المحيط العربي – بغض النظر عن الحساسيات والمواقف السابقة – للتوصل الى دعم العرب لجبهة التحرير العراقية الموحدة وبرنامجها وتصوراتها لعراق المستقبل، وعلاقاته العربية والاقليمية والدولية.

اعني ان ما تحتاجه المقاومة في العراق، هو، بالدرجة الاولى، رؤية سياسية شاملة من منظور وطني ينبذ المحاصصة المذهبية والاثنية والتقسيم، ولكنه يعترف بالتعددية العراقية، ويلمح ازاحة كل المظلوميات من طريق التحرير والبناء.
لاحظتم، بالطبع، انني لم أشر الى الجوانب العسكرية.. فهنا، بالضبط، تبرز الامكانات الفذّة للمقاومة العراقية، بل انه يمكننا القول أن طاقة نيران المقاومين هي اكبر من اللازم لطرد المحتلين، لو كان هناك، على الجانب السياسي، جبهة وطنية موحدة وقادرة بالتالي، على تقديم البديل.
ولا غرو! فالعراقيون أهل قتال .. ولدى الشعب العراقي طاقات وخبرات قتالية ربما لا تتوفر في بلد آخر من العالم الثالث .. والقسم الرئيسي من المقاومين، هو من المحترفين العسكريين لا من الهواة.
وفي عدد 13 اذار من “نيوزويك” تقرير يتضمن معلومات عن حجم وطبيعة الخسائر البشرية في صفوف القوات الامريكية في العراق.
ويقول كاتب التقرير “دون ايفرون” و”سارة تشايلدرس” انه لا يمكن النظر الى تلك الخسائر من زاوية عديد القتلى، ولكن بالاساس، من زاوية عديد الجرحى، الذي بلغ، رسمياً، خمسين الفاً في اربع سنوات. وهؤلاء الجرحى هم عسكريون “تعرضوا للقصف او الحرق او فقد الاطراف او المرض البدني او النفسي” اي انهم تحولوا الى معطوبين كلياً او جزئياً.
أما العسكريون الذين راجعوا المستشفيات والوحدات الصحية بسبب جراح خفيفة او اعراض صحية طارئة – فلقد بلغ عديدهم في افغانستان والعراق – للفترة نفسها – حوالي مئتي الف – مع ملاحظة المراجعات المتكررة للشخص نفسه – الاساس في هذه الظاهرة هو استخدام العسكريين الامريكيين للدروع الشخصية والعناية الطبية المركزة في الميدان، ما جعل نسبة الجرحى الى القتلى في العراق بمعدل “16” الى “1” بينما كانت في الفيتنام، “3 ” الى “1” وبالمقارنة نستطيع القول ان قدرة النيران العراقية تكاد تقترب من قدرة النيران الفيتنامية في تحقيق الاصابات في صفوف العدو الامريكي.
الالحاح على انقاذ الجنود ميدانياً هو مجرد وسيلة للخداع والتضليل حول حجم الاصابات الحقيقية، فواشنطن لا تريد قتلى، وتركز على اسعاف الجرحى حتى لو بقيت منهم اشلاء مرممة تعاد الى الولايات المتحدة كي تواجه الاهمال والجوع واليأس والانتحار.

Posted in Uncategorized.