ضعف الحكم المحلي مشكلة وطنية… تحتاج إلى حل وطني«البلديات» بدائل واقعية عن التأزيم الاجتماعي – السياسي

العرب اليوم
شؤون اردنية
ناهض حتّر
تتجلى المصاعب التي يواجهها الحكم المحلي في بلدنا، بالآتي:
1- النقص الفادح في الموارد المالية. الامر الذي يشل نشاط البلديات ولا يعود هذا النقص الى مشكلات ادارية او تنظيمية، بل الى المشكلة الوطنية الاساسية في هذا المجال، وهي تركز السكان والنشاطات العمرانية والاقتصادية في العاصمة «فالزرقاء واربد» ومن المعروف ان هذه النشاطات هي التي تشكل الموارد المالية للحكم المحلي. وهكذا، فان ضعف الخدمات البلدية في ريف المملكة الواسع، لا يمكن تجاوزه بالدمج بين بلديات ضعيفة او استبدال اللجان المعنية بالهيئات المنتخبة او سوى ذلك من التصورات «ذات الطابع الاداري التنظيمي» التي تسيطر على التفكير الحكومي بشأن تطوير الحكم المحلي.
فالمشكلة الاساسية، ستظل قائمة اذ ان الجمع بين فقيرين لا ينتج غنياً فما بالك اذا كان ذلك الجمع تعسفياً؟!
2- خضوع الهيئات البلدية المنتخبة لضغوط الناخبين والعزوة والعشيرة، ما يؤدي الى تهاون في تحصيل الحقوق البلدية او الى التجاوز على القوانين.
3- تدني المستوى الثقافي للعديد من اعضاء الهيئات البلدية المنتخبة على اساس عشائري. ويستطيع المرء ان يلاحظ بدون عناء افتقار معظم القيادات البلدية الاردنية، الى الخبرة والافق الحضاري والحس الجمالي.
ونحن لا نستطيع ان نلوم المجتمعات المحلية على خياراتها هذه الا بحدود… فعادة ما يستنكف افضل شباب القرى والمدن الصغيرة ليس فحسب عن المنافسة على المواقع القيادية في البلديات، بل وحتى عن العيش فيها.
وهكذا، يتحالف نقص الموارد المالية، والضغوط المحلية، والعشائرية ولامسؤولية المثقفين، على اعادة انتاج البلدات والقرى بصورة رديئة جداً. فهي تفقد طابعها التقليدي ليس باتجاه التحديث… ولكن باتجاه الانموذج البلدي للمخيم حيث الطارئ والاضطراري والاسرع والاقل كلفة، يتقدم على الدائم والطبيعي والضروري والجمالي.
***
مع ذلك، فالحكم المحلي في الاردن، لا يعاني اليوم، ازمة تستوجب معالجة ادارية تخطيطية واستعلائية كما تقترح الحكومة المركزية:
– فالبلديات القائمة تتطابق، على العموم، مع المتحدات الاجتماعية السياسية المستقرة اي ان الحدود البلدية هي ايضاً حدود اجتماعية سياسية
– والاسلوب الديمقراطي في تشكيل الهيئات البلدية بالانتخاب، لا يتمتع فقط بالاعتراف والقبول من لدن المتحدات الاجتماعية-السياسية، ولكن ايضاً يمثل النظام الاكفأ-على علاته -للمنافسة السياسية داخل المتحد نفسه «وهو ما يفسر سخونة الانتخابات البلدية، وما تشهده من «معارك» ومواجهات».
«فالبلديات» اذن، ليست مجرد هيئات خدمية يتم تقييمها فنياً، بل هي في الأساس، هيئات تمثيل سياسي اجتماعي على مستويين للمتحدات خارج الحدود البلدية وللقوى داخل تلك الحدود. فهل تتوقف الحكومة المركزية، لحظة، فتقرأ المستويات الاعمق في قضية البلديات، قبل ان تواصل الاصرار على مشروع اداري-فني للاصلاح البلدي، من شأنه تأزيم «الحكم المحلي» اجتماعياً وسياسياً، بدون ان يؤدي الى معالجة المصاعب الفنية القائمة فعلاً… والتي تحتاج الى حل من نوع اخر… طالما ظل النشاط الاقتصادي- وبالتالي كل اشكال النشاط الاخرى – متمركزاً في العاصمة وبعض المدن الاخرى ستظل «البلديات» وخصوصاً بلديات الارياف والبادية، ضعيفة ومتعثرة في حلقة شيطانية من شأنها ان تستنزف القوى البشرية والاجتماعية والثقافية في الارياف، فتزداد تخلفاً… وهكذا، فلا يمكننا ان نتصور حلاً جذرياً للمشكلة المطروحة، الا على اساس استراتيجية وطنية لاعادة توزيع الادارات والاستثمارات والحوافز على المستوى الوطني. وهذا هو وحده، الكفيل بامداد «البلديات» بالموارد المالية والخبرات والكادرات اللازمة لنهضتها.
الا ان ذلك لا يمنع بالطبع، حلولاً اجرائية نراها تتمثل بالآتي:
1- توفير موارد مالية جديدة للبلديات من مصادر جديدة على المستوى الوطني ومن ذلك، ضريبة على استهلاك المياه في العاصمة تذهب كلها الى «البلديات» وتخصيصات من امانة عمان الكبرى، خصوصاً لتعويض بلديات السياحة الداخلية عن استهلاك بناها التحتية ومرافقها من قبل سكان العاصمة، وتعظيم الرسوم على القصور الريفية… الخ على ان تقوم البلديات من جهتها بالضغط على الاثرياء والمغتربين من ابنائها لتمويل الانشطة البلدية في مسقط رؤوسهم.
2- تعيين مهندسي بلديات اكفياء ومدربين لهذه الغاية من قبل الحكومة المركزية، وعلى نفقتها، من اجل تحسين ومراقبة الاداء الفني للبلديات.
3- انشاء هيئة وطنية للحكم المحلي بهدف التخطيط المركزي والمراقبة والدعم.
***
وهذه المقترحات هي مجرد اشارات على طريقة في التفكير، نطرحها للحوار… ونأمل ان يكون لدى الهيئات البلدية بدورها، العزم على التفكير ببدائل ملموسة، انطلاقاً من الاعتراف بوجود المصاعب والثغرات والمشاكل… التي تظل على كل حال، اهون شراً من المشروع الحكومي الذي يتضمن كل العناصر الخطرة لاشعال ازمة اجتماعية-سياسية، وفي الوقت نفسه، تأجيل معالجة المصاعب الفعلية.

Posted in Uncategorized.