ناهض حتّر
اعلن وزير المالية، زياد فريز، اتجاه الحكومة الى اقرار مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، على ثلاثة اسس هي«1» توحيد النسب الضريبية بالنسبة للقطاعات والمؤسسات «2» الغاء الاعفاءات والاستثناءات «3» اعتماد المبدأ الدستوري التصاعدي في التحصيل الضريبي بالنسبة للافراد.
ويقول الوزير ان الحكومة بدأت حواراً مع ممثلي القطاعات والخبراء. اي ان الحوار حول مشروع القانون الجديد على ضريبة الدخل، يتمركز على مفاوضات مع رجال الاعمال، وعلى الجوانب الفنية. ولكنه يتجاهل الجوانب الوطنية والاجتماعية. فهل في نية الحكومة اجراء حوار مماثل مع النقابات والاحزاب والنواب والشخصيات،؟ ليس ذلك، بعد، وارداً.
ضريبة الدخل هي، في النهاية، الاداة الاكثر فعالية لحفظ التوازن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الدول الرأسمالية. وبالنسبة للاردن الذي انتقل من دولة الرعاية الاجتماعية الى دولة السوق، فان تصميم واقرار قانون ديمقراطي لضريبة الدخل، يمثل اخر الفرص لاستعادة التوازن في البلد، وتعزيز الفئات الوسطى، وتوسيع قاعدة الاستثمارات المحلية.
لذلك، ينبغي ان يكون الحوار حول هذا « القانون»، وطنياً بالفعل، واسعاً وشفافاً، ويتجاهل نصائح صندوق النقد الدولي الذي يصدر وصفات موحدة كارثية، مثلما يتجاهل الضغط السياسي لاقليات كبار رجال الاعمال.
ان توحيد النسب الضريبية على القطاعات والمؤسسات، غير عقلاني، ويخدم، بالذات، مصالح القطاعات الاقل مغامرة والاكثر ربحيّة «العقارات والمال والتجارة» على حساب الصناعة والزراعة. كذلك فانه يفيد المؤسسات الكبرى على حساب المنافسين الصغار. وفي النهاية، فانه يحرم الدولة من الاداة الرئيسية للتخطيط الاقتصادي غير المباشر من خلال حفز المستثمرين على النشاطات الاقتصادية المرغوبة بتخفيض النسب الضريبية على القطاعات التي تحتاج الى تعزيز، مقابل زيادتها على القطاعات الناجحة كالاتصالات والبنوك وشركات التأمين الخ..
وبالنسبة للاعفاءات الضريبية، فانه يمكن الغاؤها، فقط، من خلال تدرّج النسب الضريبية للقطاعات من جهة، والغاء ضريبة الدخل، كلياً، بالنسبة للافراد التي تقل دخولهم عن «35000» دينار سنوياً.
ولماذا الاعفاء الشامل لهذه الدخول الفردية؟ اولا لتعزيز قدرة الشرائح الدنيا والمتوسطة من الطبقة الوسطى على الانفاق وتحريك السوق، وثانياً، لتمكين هؤلاء من الادخار والمشاركة في العمليات الاستثمارية وتشجيع المشروعات الصغيرة، وثالثاً، لتمكين الافراد متوسطي الدخل من مساعدة ذويهم عبر الاليات العائلية والعشائرية. وعلى المستوى السياسي، فان الاعفاء الضريبي للفئات المتوسطة، يسهم في تعزيز مشاركتها في العملية السياسية والنشاط الثقافي والمساهمة في عمليات التمدين والاندماج الوطني.
ومن اجل استخدام الاداة الضريبية في تحقيق العدالة الاجتماعية ورفد الخزينة بالاموال لتغطية الدعم للسلع والخدمات الاساسية، فان الضريبة التصاعدية للدخول فوق 35000 دينار ينبغي ان تبدأ من 5 بالمائة على الاكثر حتى 50 بالمائة على الاقل.
ولا يمكن بطبيعة الحال، اصلاح نظام ضريبة الدخل من دون اصلاح النظام الضريبي برمته من خلال اعادة هيكلة الضرائب غير المباشرة والرسوم على الاسس الاجتماعية والعقلانية الاقتصادية. وبالدرجة الاولى، من المنتظر ان يتم اعادة النظر في الضريبة العامة على المبيعات، باتجاه خفضها – جذرياً – على السلع والخدمات الشعبية، وزيادتها – جذريا – على السلع والخدمات الترفيّة. وسوف يساهم ذلك، مرة اخرى، في تحقيق نوع من العدالة بين الفئات الاجتماعية، وتخفيف الاعباء على الفقراء والمتوسطين، وتحريك السوق، وتعزيز الاستثمارات الصغيرة.