حين خرجتُ من قصر عين التينة، مقر رئاسة مجلس النواب اللبناني، كنت سعيدا باكتشافي صديقا لبنانيا كبيرا للأردن، أعني رئيس المجلس، نبيه بري. شعور بالسعادة تتخلله الحيرة حول العجز المزمن للدبلوماسية الأردنية التي تدور في دوائر مغلقة، ولا تبحث عن الأصدقاء والحلفاء الممكنين، وتظل حبيسة المثلث الأميركي الأوروبي الخليجي. وهي قوى قد تبدي من طرف اللسان حلاوة، لكن مشاريعها السياسية مضادة لجوهر الكيان الأردني.
شرحتُ للرئيس بري، تعقيدات الوضع الأردني، والضغوط التي يتراكم ثقلها على الأردن، والمخاطر التي تتهدده أو تعترض ، أقله، طريقه نحو التغيير الديموقراطي والاستقرار والتنمية. قلت له إن الأردن يحتاج اليوم إلى شتى أشكال الدعم السياسي والاقتصادي. وزاد هو أن مثل هذا الدعم هو الآن قضية قومية.
أثنى الرئيس بري على الحراك الأردني بسبب عقلانيته وحرصه على الدولة الوطنية من التشقق والفوضى والانفراط، ولاحظ أن الأردن معرض، أكثر من سواه، لكل تلك المخاطر، بسبب كونه محط الخطط الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية على حسابه، سواء أمن خلال التوطين السياسي أم من خلال صيغ الكونفدرالية. وهي كلها تقود إلى إنهاء القضية والمقاومة، وتنذر الأردن بـ’الفوضى الخلاّقة ‘ التي نجح أعداء العرب بنشرها، بالفعل، في معظم أرجاء الوطن العربي.
هنا، توقف الرئيس ليخلص إلى استنتاجه: ‘القومية العربية لها في الأردن معنى واحد، هو الوطنية الأردنية ‘؛ فصمود الأردن غدا الآن شرطا أساسيا لاستمرار حضور القضية القومية المركزية، أي القضية الفلسطينية.
اعتبر الرئيس بري أن الموقف الأردني إزاء الأزمة السورية، عقلاني، في وقت عربي أصبحت فيه المواقف العقلانية مكلفة، وأكد دعمه للأردن في مواجهة الضغوط المعاكسة، كما في مواجهة الكونفدرالية ، ووجد أن التطور الإيجابي في العلاقات الأردنية العراقية، خطوة في الاتجاه الصحيح، ينبغي العمل على تزخيمها. وقد تمنيت عليه أن يلعب دورا شخصيا في هذا المجال، ووعد بالاستجابة.
صديق في عين التينة؛ صديق للأردن والشعب الأردني، صديق في حجم نبيه بري، بثقله المحلي والعربي والإقليمي، وبقدرته على التشبيك وتحقيق التوازنات والتفاهمات، كيف لا نجده على رادار السياسة الخارجية الأردنية؟ وكيف لم نره، بعد، ضيفا للدولة الأردنية، وشريكا في الحوار الإقليمي والبحث عن المخارج؟
الوضع الأردني الاستثنائي الذي يعيشه بلدنا اليوم وسط أزمات ومتغيرات إقليمية بالغة الخطورة، يطرح على الفور مهمة إحداث تغييرات نوعية في منظورات السياسة الخارجية وأدواتها وطاقمها؛ هناك حاجة ملحة لتغيير المنطلقات السياسية في إدارة العلاقات مع المحيط العربي والإقليمي. فالمحاور التي استكان الأردن في أحضانها زمنا طويلا، لم تعد قائمة، والتقسيمات السابقة للحلفاء والخصوم أصبحت من الماضي.
على المستوى الإقليمي والدولي، نحتاج إلى فهم عميق للتبدلات الحاصلة في ميزان القوى والتوجهات؛ لقد تحولت تركيا المنخرطة في الحلف القَطري المصري الإخواني، قوة مضادة ، بينما تقترح إيران على الأردن، الصداقة والتعاون. وفي الوقت الذي تتراجع فيه قوة الولايات المتحدة وأوروبا، تبزغ شمس روسيا والصين كقوتين دوليتين صاعدتين. وسياستنا الخارجية لا تبذل أي جهد لتحويل العلاقات الثنائية الطيبة مع موسكو إلى تحالف سياسي واقتصادي، بينما تتجاهل، كليا، العملاق الصيني.
لم يحدث ذلك؟ أولا، لأن الإرادة السياسية الأردنية ما تزال مجمدة عن اجتراح المبادرات ومقيدة بتحالفات ميتة، وثانيا، لأن طاقم السياسة الخارجية الأردنية يفتقر إلى الخيال السياسي والقدرة على التواصل مع المتغيرات وتوظيفها لمصلحة الأردن في الوقت المناسب.