ناهض حتّر
الملتقى الوطني، المزمع عقده قريباً في البحر الميت بحضور شبه جماعي للنخبة السياسية الاردنية، لم تتضح ، بعد، صورته، سوى ملامح عامة تقرب «الملتقى» من «الندوة» – من حيث الشكل – و «الندوة» من «المظاهرة» من حيث المضمون- وسيكون هذا النشاط مفيدا على كل حال، من حيث كونه اصطفافاً وراء الاهداف التي تحظى بالاجماع الوطني وهي «1» افشال خطة شارون اولمرت التوسعية «2» تحييد الاردن من احتدام الصراعات الاقليمية «3» منع الترانسفير السياسي «اي الحؤول دون انتقال مؤثرات وعقابيل الصراع الفلسطيني – الفلسطيني الى الاردن» «4» عزل الفكر التكفيري ومجابهة الارهاب، الا انه تظل هناك – على هذا المستوى – خلافات حول اساليب تحقيق هذه الاهداف، من الضروري استمرار الجدل بشأنها. في حين ان هناك قضايا هي – بطبيعتها – محل صراع اجتماعي، ولا يمكن بحثها من منظور الاجماع، بل التفاوض بشأنها بين القوى الاجتماعية والسياسية للتوصل الى تسويات حولها، مثل الهيكل الضرائبي، والخصخصة، ومعالجة المديونية، والدور الاقتصادي الاجتماعي للدولة، والتعليم، والصحة، ومنهجية معالجة مشكلات الفقر والبطالة والسياسات الاستثمارية ومجابهة الفساد .. الخ وهذه كلها قضايا تمس مصالح الفئات الاجتماعية ولكلٍ من هذه الفئات منظورها الخاص في مقاربتها.
الامر نفسه ينطبق على قوانين الحياة السياسية، وبخاصة قانون الانتخابات العامة. فنحن هنا، ايضاً، امام تسويات ممكنة واجماع مستحيل.
والملتقيات العامة هي مجال الاجماع، بينما التسويات فتحصل في سياق تفاعلي وميداني وقطاعي، اي على طاولة مفاوضات اجتماعية. ولذلك ربما كانت الصيغة الاكثر عملية للملتقى الوطني المقبل في البحر الميت، تكمن في تحديد مهماته بتحقيق الاجماع الوطني على «1» تحديد الموقف من القضايا الوطنية الكبرى «2» تنظيم الخلاف حول المسائل الداخلية، وصولا الى تسويات.
ولسوف نرجو – بقليل من الامل – ان يتنازل افراد النخبة السياسية عن استخدام الحدث لتحسين مواقعهم الشخصية الا ان حسم هذا الموضوع، يمكن ان يتم بصورة تنظيمية حاسمة، بمنع الخطابة، والطلب من المشاركين تقديم مطالب محددة او التزامات محددة، واجراء حوارات عيانية حولها، ومن ثم اقرارها او تركها، بالتفاهم.
وانا اقترح ان يناقش الملتقى ورقتين: الاولى حول السياسة الخارجية – تعدها الاطراف الرسمية على ان تكون واضحة ومحددة في صورة توجهات استراتيجية وتكتيكات ملموسة.
والثانية – حول السياسة الداخلية – تعدها المعارضة الوطنية، وتتصف بالصفات نفسها. وبالنتيجة، فانه يمكن التوصل الى اطار حقيقي لتوليد الاجماع الوطني الاردني في هذه المرحلة الحساسة.
اول ما سيقال – بالطبع – امام هذه الاطروحة ان السياستين، الخارجية والداخلية، لا تنفصلان. وهذا صحيح اذا لم تتدخل الارادة السياسية في تسوية تعطّل تلك العلاقة. وقد حدث ذلك في السياسة الاردنية سابقاً. فجوهر التسوية الاجتماعية السياسية التي كانت اساس الفترات الذهبية لحكومات الشهيد وصفي التل، هو الفصل – في حدود الممكن – بين الداخل والخارج والاخذ برؤية المعارضة الوطنية في السياسة الداخلية، وبرؤية الحكم في السياسة الخارجية. وقد حقق هذا النهج انجازات في كل المجالات اذ حيّد البلد عن تأثيرات المداخلات الاقليمية.
ميزان القوى على المستوى الدولي والاقليمي والداخلي، حساس للغاية، والمداخلات متشعبة وخطرة. والحفاظ على الدولة الاردنية – مستقلة وآمنة وموحدة ومزدهرة – لا يمكن الظفر به، الا بالتخلي عن طرائق التفكير السياسي التقليدية وابتكار حلول جديدة خلاقة.
لا يحتاج ذلك فقط الى الخيال السياسي، بل ايضاً، الارادة الحازمة، وتقديم المصالح الوطنية على المصالح الفئوية والشخصية، والاستعداد للتنازلات المتبادلة.