نشرتُ، منذ وقت، مقالة عنوانها “من مواطن اردني إلى حاخامات “اسرائيل” والشرق الاوسط” قلتُ فيها لأولئك “القادمين” إنني أكتب على كلّ الأشياء والذكريات الي تشكّل وجداني بعمّان: لن تمروا! وحدث، كما نشرت “آخر خبر” في حينه، أن عدداً، من الحاخامات زار عمّان، جهارا ًنهارا ًوفي ضيافة فندق من فئة الخمس نجوم!ولم تمض ساعات على صدور ” آخر خبر” حتى جاءني، وعلى شفتيه ابتسامة السخرية المعهودة التي معناها “ألم أقل لك!” وقال: “ها هم قد مرّوا… فماذا فعلت؟” وضحك!
قلت له: “وماذا فعلت أنت”!
قال: “أنا لم أقل لن تمروا… أنت قلت!”
حاولت أن أشرح له أن ما تعهّدت به، على وجه الدقّة، ليس منع الحاخامات من المرور، ولكن كتابة شعار المقاومة “لن تمروا” على ذكريات طفولتي وجدران مدرستي الابتدائية وثوب أمي وحقائب أطفالي المدرسية وغير ذاك من الأشياء العزيزة عليّ. وهذا نوع من المجاز الأدبي الي أستطيع أن أقول من خلاله محاولاً التأثير على الآخرين انني أنا فلان الفلاني، بوجداني هذا، أرفض التعايش مع المغتصبين واللصوص والمعتدين، وأنا ما زلت عند هذا الموقف! القومي، ما يزال قليلاً جداً.
ومع كل هذا الشرح لمعت عيناه بالانتصار عليّ؛ وظلت ابتسامته الساخرة تهزأ بي.
لم أقل له أن الحاخامات -على الأقل –لم يمروا إلى قلبي: فربما أجابني قائلاً: (وما حاجتهم إليه؟) ضحكتُ ومضيتُ وأنا ساهم أفكّر في هذه الورطة. وهي، بالفعل، ورطة، فماذا لو أطلق أحدهم -لا سمح الله! -النار على وفد الحاخامات؟ عندها سيعتبر هذا القارئ الفطن أن لي يداً في هذه “العملية” وسيهتف لي وسينئني. فأضيعُ في خبر كان! وهذا ما حدث لي لولا أن الله ستر.
كان ذلك عشية تفجير مقرّ حزب الكتائب الذي أودى بحياة الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل، في ذلك اليوم، قالت لي زميلة ذات عواطف وطنية مشبوهة: “أيرضيك ما يحصل في لبنان؟” ولعنتْ الحركة الوطنية واليسار والاتحاد السوفياتي (كان وقتها ما يزال قائماً) وقالت: إن هذه القوى متخاذلة وصامتة بينما “إسرائيل” تذبح الفلسطينيين واللبنانيين… الخ. ومضت في محاضرة من اللوم والتقريع ليس لها آخر!… كانت قد آلمتها المشاهد التي نقلها التلفزيون من لبنان، في الليلة السابقة… ولم تجد من تصب عليه جام غضبها غيري وبوصفي يسارياً ومسؤولاً عن مقاومة كل تلك الكوارث الحالة بالبلد الشقيق.
وأثناء استماعي لمحاضرتها بقيتُ واجماً ملجوماً لا أنبس، سوى أنني تمكنت أن أقول جملة واحدة لا غير، وهي: “إن غداً لناظره قريب!”
وفي الغد، بالضبط أطاح الانفجار الكبير بالجميّل! فما ان سمعت الزميلة الوطنية الخبر، حتى جاءتني متهللة، قائلة بأعلى صوتها: “برافو عليك… برافو… برافو… حقيقىي برافو!”
شعب مهزوم يبحث عن “أبطال”!
Posted in Uncategorized.