ناهض حتّر
تنعقد اليوم “الجمعة” الهيئة العامة لرابطة الكتاب الاردنيين، وكان مثل هذا اليوم في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لحظة مفصلية في الصراع السياسي الثقافي في البلد، يستنزفنا حتى النخاع، في جولات تشمل الوطن كله، وحوارات تبدأ بمدارس النقد الادبي ولا تنتهي بالثورة العالمية!
كانت «الرابطة»، في تلك السنوات المليئة بالآمال والأوهام، منظمة وطنية، بمعنى انها تستحوذ على اهتمام النخب السياسية والثقافية من كل الاتجاهات. وهي، بنشاطاتها والنقاشات الدائرة في مقرها، حاضرة في السياسة المحلية بقوة، ولها صدى عربي واسع، وعلاقات دولية. ولذلك، فقد كانت المعركة الانتخابية في «الرابطة» مهمة جداً، تحتشد لها الاحزاب الفاعلة – وكلها يساريه – وتحشد لها في سلسلة متتابعة ساخنة من الاجتماعات في المنازل – وهي مقرات العمل السياسي في زمن الاحكام العرفية – يحضرها كتاب وحزبيون وانصار ومهتمون.
كان الصراع الرئيسي يدور، وقتها بين تيارين، احدهما يقوده الحزب الشيوعي الاردني، وثانيهما تقوده الجبهة الديمقراطية. وكانت هاتان المنظمتان تهيمنان على العمل الثقافي في البلاد. ومن نافلة القول ان صراعهما كان يعكس الصراع بين الحساسية الوطنية الاردنية وبين وصاية المنظمات الفلسطينية على النشاط النقابي والثقافي الاردني، وكل ذلك في اهاب الجملة اليسارية.
كانت «الرابطة»، بالطبع، سباقاً لازدهار المواهب الادبية ولكنها، بالاساس، كانت منبراً للتعبير السياسي والفكري. ولطالما كانت – بقضها وقضيضها – جزءاً لا يتجزأ من الصراع السياسي المحلي.
ليس لديَّ حنين الى الماضي أبداً. ولكنني الاحظ فقط فارقاً نوعياً بين مرحلتين. ففي تلك الأيام – السبعينيات والثمانينيات – كان الأدباء مسيسين حتى العظم. ولا يستطيع المثقف ان ينظر الى نفسه الا كناشط سياسي او نصير، في حين اننا وصلنا، اليوم، الى انقطاع الصلة بين الادب والسياسة، بل بين الثقافة والسياسة. وهذا ليس سوى مظهر لهزيمة الوعي التقدمي لصالح سياسة الأمر الواقع.
هل يمكن استعادة الروح.. لمنظمة ميتة؟ كلا.
هل يمكن استعادة الأدباء والفنانين والمثقفين الى المشاركة في الحياة السياسية؟ نعم. خصوصاً اذا تبلورت خلية واحدة تستعيد صورة المثقف – المناضل، ومضمونها وأبعادها.
انا – شخصياً – ابحث عن الانضواء في خليّة ثقافية نضالية، تنتفض على أجواء «الادباتية»، وتقدح، من جديد، شرارة الكلمة.