أخيرا… ظهر رياض حجاب في عمان، أقلّ حجما من أي توقّع بشأنه. كان ‘كشاهد عيان’ في قناة ‘ الجزيرة’ يؤلّف رواية مضحكة عن بلده؛ فإذا كان 70 بالمئة من سورية قد وقعوا في أيدي المعارضة المسلحة، فلماذا يفر حضرته من الديار السورية؟ ولماذا لم يجد مكانا في منطقة سورية ‘محررة’، للإقامة وعقد المؤتمرات الصحافية، والإعلان، ميدانيا، عن انهيار الدولة ؟في اطلالته الأولى كمعارض بدا حجاب بلا رؤية وطنية وبلا برنامج، واحدا كغيره ، بل أقل حجما، من طابور المعارضين السوريين الذين يملؤون الفنادق التركية والقَطرية، ويظهرون على الفضائيات الخليجية والغربية، وليس عندهم شيء سوى رفض الحوار وشتم النظام والتنبؤ بسقوطه قريبا.
كان يمكن لحجاب أن يكون مؤثّرا لو أنه كان مختلفا؛ يتبنى خطا وطنيا ثالثا، ويقترح برنامجا للمصالحة والوحدة بين القوى السورية في مبادرة تعكس موقعه كرئيس وزراء سابق. ولكنه خسر الجولة، وانكشفت جعبته فارغة، ولم يعد لديه ما يؤهله لقيادة مشروع.
لو كان لدى حجاب شيء جدّي لبقي في منصبه، يقوم بواجبه الوطني ويعترض، بجرأة وعلنية، على السياسات القديمة ويقترح البديل. وهذا ممكن في سورية اليوم، و يمارسه نائب رئيس الوزراء، اليساري قدري جميل الذي كنا وما نزال نرشحه لمنصب رئيس الوزراء.
لا أستطيع، هنا، أن أمنع نفسي من إعلان سخطي على القيادة السورية التي تختار، وفي ذروة الأزمة، شخصية مثل حجاب، بلا وزن ولا مضمون، لرئاسة الوزراء. ويعكس هذا الاختيار الرديء، بالأساس، ثغرة رئيسية في النظام الرئاسي السوري الذي يفرغ منصب الرئاسة الثانية من أي بعد سياسي، ويلجمه بحدود موقع كبير الموظفين الإداريين، مما يجعل شخصا أقل من عادي، كحجاب، مرشحا لاحتلاله.
أين هم ‘ السادة الوزراء والمعاونون الخ ‘ في المعركة الدائرة؟ أين حزب البعث؟ ومنظماته؟ وجبهته؟ بل أين هي الأجهزة الأمنية الجبّارة التي تبيّنت رداءة أدائها في سلسلة متصلة من الإخفاقات؛ في تقدير الموقف عشية اندلاع الاضطرابات في ربيع 2011، و في التنبؤ بتطوراتها، و معالجة ثغرات أمنية بدائية أدت إلى نجاح ضربات معادية مؤذية يعرفها الجميع.
لا يوجد سوى الجيش العربي السوري في الميدان، يخوض معركة الدفاع عن الوطن والدولة. حتى التصريحات الأكثر حيوية وحرارة وثقة هي تلك التي يدلي بها جنود على أهبة القتال. الجيش هو النظام والدولة في سورية اليوم. ولذلك، لا تتاجروا بحجاب و مَن هم على شاكلته، ولا تتوهموا أن نداءاته للعسكر سوف تجد أذانا صاغية.
ولا يتعلّق الأمر بقيادة عسكرية، تحظى بامتيازات تقليدية، وإنما بعشرات الآلاف من الضباط والجنود المقاتلين الذين تلحمهم المؤسسة العسكرية ورفقة السلاح والاعتزاز بقدرتهم على المواجهة والإنجاز وسط التراجع السياسي والثغرات الأمنية والثرثرة الإعلامية. هؤلاء الذين ينتمون إلى فئات اجتماعية متوسطة وكادحة، هم المرشحون المحتملون، واقعيا، لكي يبنوا سورية الجديدة. لا أتحدث، بالطبع، عن سيناريو انقلابي. فالانقلاب، في الشروط السورية الراهنة، لا يتحقق بنفسه، بل بصلاته السياسية مع القوى الخارجية المعادية ووكلائها المحليين. وهو طريق سيقود، موضوعيا، إلى إضعاف المؤسسة العسكرية ودورها وتجميد قدراتها التسليحية ولجمها وتحويلها إلى قدرات شرطية. ولذلك، لن يمشي العسكريون السوريون، على الرغم من المساعي الحثيثة المبذولة من الحلف الأمريكي الخليجي التركي ، في هذا الطريق، لأنه ببساطة؛ انتحاري بالنسبة للسائرين فيه. إنما أتحدث عن انتقال سياسي من نوع آخر، هو مرحلة انتقالية من بسط سلطة العسكر في ظل الرئيس بشار الأسد، وبالعلاقة معه. وسيكون لهذا الانتقال السياسي، نتائج اقتصادية واجتماعية واستراتيجية؛ إن أكثر الفئات الشعبية وعيا وطنيا واجتماعيا، وأفضلها تنظيما و فعالية، أي تلك المنضوية اليوم في صفوف مقاتلي الجيش العربي السوري، هي المرشحة الآن لتكون نواة التحالف الوطني الاجتماعي القادر على بناء الجمهورية الجديدة .
العرب اليوم