ناهض حتّر
تبدو الحرب الدائرة بين حزب الله واسرائيل، غير قابلة للتسوية الموضعية. فاي تراجع من حزب الله عن الحد الادنى الممكن، وهو وقف العدوان الاسرائيلي والشروع في مفاوضات لتبادل الاسرى، سيكون بمثابة بداية النهاية للحزب في المعادلة الداخلية اللبنانية، ووضع سلاحه ووجوده ودوره على مشرحة قوى 14 اذار المتأمركة المستظلة بالعدوان الصهيوني والاجماع الدولي والتغطية العربية.
ويشكل ذلك، بالنسبة لحزب الله، خيار موت او حياة على الصعيد اللبناني، كما انه ينسف، بالتتالي، الوجود السياسي السوري في لبنان، ويكشف سورية امام الضغوط الامريكية والعربية وربما -لاحقا- العدوان الاسرائيلي. وعلى المستوى الايراني، ستكون هذه مناسبة لانقضاض قوى التواطؤ مع الولايات المتحدة، على الخط السياسي الذي يمثله الرئىس المتشدد احمدي نجاد، وتنتهي هذه «الهزيمة» في فلسطين بسقوط حكومة (حماس) وخيار المقاومة، وفي العراق، سوف تتراجع المقاومة، بفرعيها السني والشيعي، لصالح القوى الطائفية، والاقتتال الطائفي.
لذلك، كله، سيواصل حزب الله، المعركة، حتى النهاية. ولن يتزحزح، شبرا واحدا عن ارض الجنوب او عن استمرار مجابهة القصف الاسرائيلي بالقصف الذي سيطال، عما قريب، تل ابيب نفسها، كذلك، فانه لن يسلّم اسيريه الاسرائيليين تحت القصف، ومن دون مبادلتهما بالاسرى اللبنانيين وقسم كبير من الاسرى الفلسطينيين والعرب.
وتحقيق هذا الهدف الواقعي، سيشكل، بالطبع، انتصارا حاسما لحزب الله وحلفائه في المعادلة اللبنانية، ويعزز دور سورية ومكانتها الاقليمية، ويعزز الاتجاه المتشدد في ايران، وخط المقاومة في اوساط الشيعة العراقيين، ويمنع، بالتالي، احتدام الحرب الاهلية في لبنان، وفي العراق معا.
معركة حزب الله هي، اذن -على واقعية اهدافها- معركة كسر عظم على المستوى اللبناني والاقليمي والدولي.
بالمقابل، اسرائىل -ومن ورائها الولايات المتحدة- تدرك-على الرغم مما خلفته آلتها العسكرية من دمار في لبنان- ان وقف اطلاق النار من دون شروط، هو هزيمة كاملة للعسكرتاريا الاسرائيلية، وبداية النهاية للحقبة الامريكية-الاسرائيلية في المنطقة كلها. ولذلك، فان التحالف الامريكي-الاسرائيلي، سوف يخوض معركة تدمير لبنان حتى النهاية، متلافيا هزيمة مركبة في لبنان وفلسطين وسورية والعراق وايران، حيث ستنقلب المعادلات الاقليمية، وينشأ ميزان جديد للقوى في المنطقة، يتطلب من التحالف الشيطاني، الجلوس الى طاولة مفاوضات على اسس جديدة.
فمعركة التحالف الامريكي – الاسرائيلي هي، اذن- على لا عقلانية اهدافها- هي ايضا معركة كسر عظم، لبنانيا وسوريا وفلسطينيا وعراقيا وايرانيا.
الحرب، بالتالي مستمرة بلا منطقة رمادية، وهذا ما دفع باطراف لبنانية وعربية للانتقال – لاول مرة صراحة – الى المعسكر الاسرائيلي – الامريكي.
والحرب بالتالي، غير محدودة وستشمل الاقليم كله، بحجم استحقاقاتها الاقليمية والهدف التالي سيكون بلا مراء، سورية.
في اليوم السادس للحرب المفتوحة لاحظنا تركيز العدوان الاسرائيلي على معسكرات الجيش اللبناني، وهذا لا يأتي فقط في سياق الرد على استهداف صواريخ حزب الله، المقرات العسكرية الاسرائيلية، انه يستهدف ايضا وبالاساس تدمير وتفسيخ القوات المسلحة اللبنانية لتحقيق غرضين اولهما حرمان لبنان من المؤسسة العسكرية الوطنية التي تحافظ على السلم الاهلي في البلد مقدمة لاشعال الحرب الاهلية فيه، وثانيهما تدمير القوة الثانية – بعد حزب الله – التي بناها السوريون، ويحتفظون معها بعلاقات استراتيجية صمدت على الرغم من الانسحاب السوري من لبنان سنة ،2005 وباعتقادي، فان المحاولات الاسرائيلية لتحطيم الوجود غير المباشر لسورية في لبنان هو مقدمة- لا بد منها – للذهاب الى الهدف التالي اي ضرب سورية نفسها.
امام هذه المعادلة الجديدة في الصراع بين حزب الله واسرائيل اصبحت الاستراتيجية السورية «للدفاع خارج الاسوار» من الماضي، طالما ان اهداف الحرب تخطت الصراع الموضعي مع حزب الله، ذلك الذي كان يمكن في الماضي، حصره بغطاء دولي وعربي من خلال اتفاقات ميدانية مثلما حصل في “تفاهم نيسان” للعام .1996