ناهض حتّر
من الضروري -لكي نفهم حركة الحاضر- ان ننظر، بانتباه، الى احتمالات المستقبل. ونحن هنا لا نتنبأ كالعرافين. ولكننا نتتبع ديناميات الحاضر في تطوراتها الممكنة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
الازمة النفطية الراهنة سوف تستمر حتى العام ،2009 حين تكون الاستثمارات النفطية السعودية الجديدة الضخمة، قد تمكنت من سدّ الفجوة بين العرض والطلب على المستوى العالمي. وخلال هذه الفترة، يصبح الحفاظ على استقرار المملكة العربية السعودية هدفا استراتيجيا. وهذا ما يدركه تنظيم «القاعدة» الذي سيحاول، جاهدا، تخريب الامكانية السعودية، للحفاظ على الازمة النفطية الدولية واضعاف النظام السعودي ودوره العالمي، والحاق اضرار فادحة بالاقتصاد الامريكي والدولي.
بالمحصلة، نحسب ان «القاعدة» -القادرة على الخرمشة- سوف تفشل في تحقيق هذا الهدف. لكن هناك عناصر اكثر خطورة في المشهد، اهمها احتمال الصدام الامريكي-الايراني. ونحن نرجح ان هذا الصدام لن يحدث الان، لأن الامريكيين ملجومون بخطر ارتفاع غير منضبط في اسعار النفط ربما الى اكثر من 100 دولار للبرميل، وكذلك بخطر تعريض جنودهم في العراق الى مذبحة.
الاستراتيجية الايرانية -بالمقابل- واضحة. فطهران تريد استغلال الوقت حتى ،2009 لانتاج قنبلتها النووية، والحصول، بالتالي، على ثلاث ميزات استراتيجية (1) الحصول على طاقة نووية تمكنها من زيادة صادراتها النفطية (2) الحصول على رادع نووي (3) الحصول على نفوذ دائم مكرس دوليا في بلاد الرافدين. غير ان انسحابا امريكيا عاجلا من العراق، ربما يؤدي الى اندلاع حرب عراقية-ايرانية، والى غرق طهران في الوحول العراقية، وتشقق وحدة نظامها. وهذا الاحتمال سيعرقل الخطط الايرانية.
حصول ايران على القنبلة النووية -مع وفرة الموارد النفطية بالدولار- سيكون ضارا بالدول العربية -وخصوصا الخليجية- لكنه سوف يسمح بتغيير موازين القوى الاقليمية بين طهران وتل ابيب، الطامحتين -كلتاهما- الى الهيمنة على المجال الحيوي العربي. وربما يؤدي ذلك الى حل معقول على المسار الفلسطيني، ويفتح آفاق الحل على المسار السوري، ويعزز هيمنة التحالف الشيعي- المسيحي في لبنان على حساب السنة، ولكنه سيكون ضارا جدا بالنسبة لمصر والاردن ودول الخليج. مصر ستفقد دورها القيادي الاقليمي، وسيتعرض الاردن الى مخاطر جدية، بينما تضطر دول الخليج الى نوع من التبعية لايران.
هذه المخاطر قد تدفع بالصقور الامريكيين الى مغامرة الحرب ضد ايران. وهذه مغامرة مفتوحة على احتمالات صعبة على مستوى الاقليم، وتهدد السياسة الامريكية في المنطقة كلها. ولذلك، فهي تظل مستبعدة.
في هكذا تعقيدات، سوف تتراجع مشاريع الانتقال الى الديمقراطية على مستوى الاقليم، الا اذا تخلقت قوى اجتماعية سياسية ديمقراطية محلية تفرض برنامجها.
علينا ان لا نستبعد، بالطبع، العوامل الدولية. اوروبا المرعوبة من انفلات اسعار النفط سوف تكبح جماح الولايات المتحدة عند القيام بمغامرات جديدة في الشرق الاوسط. روسيا سوف تستفيد من فترة الازمة النفطية لاعادة هيكلة نظامها السياسي وقدراتها العسكرية ودورها الاقليمي والدولي. الصين الصاعدة بصورة غير مسبوقة، سوف تواجه الولايات المتحدة بالمزيد من التحديات الاقتصادية، لكنها -في السياسة- سوف تكون معنية- اكثر من اي وقت مضى- باستقرار الشرق الاوسط.
اسرائيل -على الرغم من صلفها وعدوانيتها- مضطرة الى الانكفاء. وهي في وضع استراتيجي ضعيف لا يتناسب مع قدراتها العسكرية المشلولة اللهم الا عن قتل المدنيين في غزة والضفة. وهي تركز الان على النقطة الاضعف في الاقليم: الاردن، في محاولة لاستغلال الظروف من اجل تصفية القضية الفلسطينية نهائيا على حساب الاردن.
اذا اتخذت الولايات المتحدة قرارا رشيدا بانسحاب شامل وعاجل من الاراضي العراقية. فالارجح ان الصورة سوف تتغير بصورة جذرية. فهذا الانسحاب سوف يضعف القوتين الاقليميتين المتصارعتين: ايران التي سوف تغرق -وحدها- في المستنقع العراقي في مواجهة مقاومة مصممة، واسرائيل التي ستلجمها الهزيمة الامريكية في العراق، وتضطرها الى العودة الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين.. كما ستنشأ ظروف لاعادة ترتيب الاوراق في لبنان، بينما تجد القاهرة وعمان نفسيهما امام استحقاق لا بد منه للتحول نحو الديمقراطية. وهذا السياق كله سوف يقدم للامريكيين فرصة لاعادة ترتيب العلاقات مع الاقليم على اسس اكثر واقعية. ويشترط ذلك، بالطبع، الاعتراف غير الملتبس بالقوى الصاعدة في روسيا والصين.
وسط كل ذلك، فان السياسة الاردنية يلزمها الكثير من الحذر واتخاذ مسافات متساوية من القوى الاقليمية والدولية، وتعزيز العلاقات مع القوى القائمة والمحتملة، في ضوء هدف استراتيجي واضح هو الحفاظ على الكيان الاردني وضمان استقراره وازدهاره، سوى انه يمكننا، الان، المبادأة في احداث تغيير ديمقراطي جذري، هو اقوى اسلحتنا للصمود والبقاء والازدهار.