ناهض حتّر
لم تتعلم الولايات المتحدة واسرائيـل، الدرس، من مغامرتهما العسكرية الفاشلة في لبنان. وما تزالان تصران على ابتزاز الحكومة اللبنانية، من خلال فرض الحصار الجوي والبحري، لفرض شروط غير واقعية مثل الافراج «غير المشروط» عن الاسيرين الاسرائيـليين لدى حزب الله، ونشر اليونيفيل على الحدود اللبنانية -السورية، بل وصل الهياج بـ«ايهود اولمرت» الى اقتراح اتفاقية سلام ثنائية مع لبنان.
ونقول ان هذه الشروط غير واقعية، اولا، لان اسرائيـل خرجت من الحرب مهزومة عسكريا وثانيا، لان التوازنات اللبنانية الداخلية هي التي فرضت على حزب الله تقديم تنازلات سياسية؛ وثالثا، لان هذه «التوازنات» هي نفسها التي تجعل من غير الممكن الحصول على تنازلات اخرى كالتي يطلبها التحالف الامريكي-الاسرائيـلي، وهذا ما تعرفه الاطراف اللبنانية جيدا. وبالرغم من ان بعضها قد يشتط في ممالأة واشنطن وتل ابيب، الا ان الاتجاه العام في الحكومة اللبنانية، يعرف حدوده.
يشكل الحلف القائم بين حزب الله والتيار الوطني الحر والقوى اليسارية والوطنية، الاغلبية الشعبية والسياسية الساحقة في لبنان. ويستطيع هذا الحلف انهاء حالة الازدواج السياسي القائمة في البلد، وفرض سيطرة النهج الوطني في غضون ساعات. واذا كانت اسرائيـل تستطيع ان تقوم بجولات جديدة من القصف الجوي الهمجي ضد المدنيين اللبنانيين، فان قواتها لن تستطيع التقدم على الارض، ومنع التغيير السياسي في البلد.
المغامرة الامريكية-الاسرائيـلية في لبنان، مستمرة، لكنها سوف تفشل حتما، ويحاول حزب الله الان، بحكمة، تجنب النتائج الوخيمة لانفراط عقد الوحدة الوطنية الهشة القائمة، لكنه لن يستطيع ان يتحمل الضغوط الى ما لا نهاية.
اولا- لا يستطيع حزب الله ان يتجاهل مطالب حلفائه في التيار الوطني الحر -وهي مطالب عادلة- بان يكون للتيار مشاركة في الحكومة تعكس حجمه السياسي- فمن غير المعقول ان يكون 80% من المسيحيين غير ممثلين في حكومة وطنية تحتل مقاعد المسيحيين فيها عناصر لا تمثل الا نفسها.
وثانيا، لا يستطيع حزب الله ان يتجاهل مشاعر ومطالب مجتمعه وجمهوره وانصاره ومقاتليه، في التمسك بالنصر العسكري الميداني، وعدم التفريط به او عدم الحصول على نتائجه السياسية.
وثالثا، لا يستطيع حزب الله ان يقبل بالانتحار السياسي من خلال تسليم الاسيرين الاسرائيـليين من دون عملية تبادل شاملة او من خلال الموافقة على انتشار قوات دولية على الحدود اللبنانية-السورية.
الحصار الاسرائيـلي على لبنان، هو مجرد بلطجة ناجمة عن امتلاك تل ابيب قوة جوية وبحرية مغطاة سياسيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وهذه الواقعة، بحد ذاتها، سوف تطرح على جميع البلدان العربية المحيطة باسرائيـل، السؤال حول مستقبل التعايش مع كلب الحراسة الامريكي المنفلت، -اسرائيـل- التي تجاوزت كل الاعتبارات، وقوّضت، بالتالي، نظرية السلام من اساسها. واذا كان المجرمون الاغبياء في واشنطن وتل ابيب، يعتقدون بانه يمكن الحصول على مكاسب سياسية من البلطجة الجوية والبحرية على لبنان، فان هذه مغامرة سوف تأتي بنتائج عكسية.
لن يكون بامكان الحكومة الاسرائيـلية، تحويل هزيمتها الاستراتيجية في لبنان الى انتصارات سياسية. هذه مجرد مكابرة بلهاء يصطنعها اولمرت لانقاذ مستقبله السياسي، مدعوما من الادارة الامريكية التي ما تزال تتوهم انه يمكن صنع الحقائق السياسية بسلاح الجو!!