في الصحراء، يتوهم العطشان، السراب، ماء. وقد يقضي وهو يجد ركضا نحو الوهم.وفي الاتفاق المائي بين الأردن و»إسرائيل«، سرابات عديدة، ما زالت الحكومة الاردنية تجد في الركض نحوها، بينما الصيف الرابع على الوعد يأتي، والاردنيون عطشى.* * *في اعقاب التوقيع على المعاهدة الاردنية »الاسرائيلية« في خريف 1994، اعلن المسؤولون الاردنيون، مرارا، انهم توصلوا، اخيرا، الى حل مشاكل الاردن المائية. ولكن، سرعان ما تبددت هذه الاعلانات. فالأردن ما يزال يعاني من ازمة مائية متصاعدة. وما تزال المياه نقطة توتر رئيسة في العلاقات الاردنية »الاسرائيلية«.ولا يعود السبب في ذلك، فقط، الى ان »اسرائيل« لم تف، كالعادة، بالتزاماتها التعاهدية مع الأردن، بل، وبالأساس، لان الاتفاق المائي الاردني »الاسرائيلي« ملتبس وغير قابل للحياة:اولا: لأن الجانب الاردني، تنازل، بموجب هذا الاتفاق، عن حقوقه المائية في اعالي نهر الأردن وهي حقوق لا يستلزم استخدامها سوى توقف »اسرائيل« عن حبس حصة الأردن المائية من بحيرة طبريا وقبل، عوضا عنها، جملة معقدة من المشاريع المائية المشتركة التي تستلزم ليس فحسب تمويلا ضخما، ولكن، ايضا، موافقات سياسية »اسرائيلية« ترافق كل خطوة. وقد اكتشفت الحكومة الاردنية، مؤخرا، ان الحصول على تمويل دولي لتلك المشاريع ليس سهلا كما كانت تعتقد. وأكثر من ذلك، ان الحصول على الموافقات »الاسرائيلية« لا يتم بصورة ميكانيكية. وان هذه الموافقات تحتاج، دائما، الى مفاوضات جديدة، والى الخضوع للآلية الداخلية للسياسة »الاسرائيلية«.وهكذا، تكاد تنتهي السنة الرابعة على المعاهدة الاردنية »الاسرائيلية«، بدون ان تستطيع الحكومة الاردنية ان تؤمن ما كانت وعدت به مواطنيها من حل جذري لمشكلة المياه. وهي مشكلة المشاكل في الاردن، لا على المستوى الزراعي والتنموي فحسب، ولكن، كذلك، على مستوى تأمين مياه الشرب.ثانيا: لأن الاتفاق المائي الاردني »الاسرائيلي«، قام على تعهدات متبادلة تتصل بحقوق آخرين. فالجانب الاردني تجاهل. في مفاوضاته مع »الاسرائيليين«. الحقوق المائية الفلسطينية، بينما قام الجانب »الاسرائيلي« بالموافقة على ان يقوم الاردن بالحصول على حصته من مياه نهر اليرموك. وهو نهر سوري اردني مشترك. وتخضع استفادة الاردن من مياهه، لموافقة السوريين. وعليه، فقد استفادت »اسرائيل«. من تجاهل الجانب الاردني للحقوق المائية الفلسطينية، لأنها تسيطر، بالفعل، على الأراضي الفلسطينية، بينما لم يستفد الاردنيون من »التنازل« »الاسرائيلي« في اليرموك. لأنهم لا يستطيعون، وحدهم، ان يقرروا بشأنه.وهكذا، وجدت الحكومة الاردنية انها قد خرجت من اتفاقها المائي مع »الاسرائيليين«، خالية الوفاض، بل وبمشاكل جديدة مع الفلسطينيين وسورية. وسنكتشف، تاليا، ان الاتفاق المائي الاردني »الاسرائيلي«، ولد ميتا، بالأساس (1) لأنه اتفاق ثنائي على مشكلة جماعية (2) ولأن التفريط بالحقوق الفعلية لقاء وعود، يظل محفوفا بالمخاطر، (3) واخيرا، لانه من العبث حل المشاكل الفرعية والتقنية في المنطقة، قبل التوصل الى حل سياسي دائم.وسأحاول، في ما يلي، ان اوضح ابعاد المشكلة المائية في »حوض الاردن«، والطبيعة الملتبسة للاتفاق المائي الاردني »الاسرائيلي«. والمشاكل الجديدة التي ولدها، لا سيما مشكلة السد التخزيني التحويلي على اليرموك. وأرجو ان يكون القارئ صبورا، لأن هدف هذا المقال ليس تقنيا، ولكن هدفه، عبر متابعة المسائل التقنية، الكشف عن العقلية التفاوضية العربية التي سادت على المسارين الفلسطيني والاردني منذ 1993، وتسعى بعض الاوساط اللبنانية الى تقليدها. وتنطلق هذه العقلية مما يلي: (1) امكانية الحل المنفرد، اي الاتفاق، ثنائيا، مع »اسرائيل«، بمعزل عن الأطراف العربية الاخرى (2) أولوية الاتفاق وثانوية الحقوق، بالتفريط بها او استبدالها، او تأجيلها (3) استنادا الى، وأملا في، الدعم والتمويل الدوليين.حوض الأردنيتألف حوض الأردن المائي من المصادر التالية (سنويا):اولا الأنهار روافد الاردن، وهي: »دان« في فلسطين (245 مليون متر مكعب من المياه) و»الحاصباني« في لبنان (138م.م.م) و»بانياس« في سورية (121م.م.م.) وبذلك يكون مجموع مياه اعالي نهر الاردن العذبة= (504م.م.م) تستهلك اسرائيل منها، محليا، حوالى (100م.م.م.) والباقي (4،4م.م.م) يذهب الى بحيرة طبريا.ثانيا وتتغذى مياه نهر الاردن، قبل طبريا، بأودية من سورية وفلسطين، حتى جسر بنات يعقوب، بكمية من المياه تقدر ب(140م.م.م) فيكون مجموع المياه الداخلة الى بحيرة طبريا = (544م.م.م) ويضاف اليها، في بحيرة طبريا نفسها، من ينابيع وأودية محلية من سورية وفلسطين حوالى (200م.م.م) فيكون مجموع المياه المخزنة في بحيرة طبريا = (744م.م.م) يحذف منها التبخر (270 م.م.م) فيظل هناك (474م.م.م) هي كمية المياه القابلة للاستخدام من بحيرة طبريا.ثالثا يتغذى نهر الأردن، جنوبي بحيرة طبريا، بمياه أودية وينابيع من ضفتي النهر، تبلغ كمياتها (505م.م.م).رابعا نهر اليرموك، في سورية والاردن، ويبلغ اجمالي مياهه حوالى (492م.م.م).وبذلك يكون اجمالي كميات المياه في حوض الاردن = (1471م.م.م). خطة جونستونفي العام 1955، قدمت الولايات المتحدة الاميركية، بعد مفاوضات مع الاطراف، خطة اتفق عليها، فنيا، وعرفت بخطة جونستون، ووزعت مياه حوض الاردن كالتالي: لبنان 35م.م.م سورية 132م.م.م الاردن (والضفة الغربية) 720م.م.م »اسرائيل« 400م.م.م المجموع = 1287م.م.مويقل هذا المجموع عن مقدرات الحوض الفعلية ب(184م.م.م) وربما يكون ذلك ناجما عن ان خطة جونستون، حذفت ملاحات نهر الاردن (الينابيع المالحة).* * الاعتداءات »الاسرائيلية« على مياه حوض الاردن(1) تستهلك »اسرائيل«، محليا (10م.م.م) من مياه اعالي النهر.(2) من شمال طبريا، اقامت »اسرائيل«، محطات ضخ وناقلا قطريا لنقل مياه طبريا الى صحراء النقب، بكميات ضخ غير معلنة.(3) بوساطة الضخ عبر الناقل القطري ومنشآت مائية منها محطة دجانيا، تتحكم »اسرائيل« بالمياه الخارجة من بحيرة طبريا، وتحبسها عن الجريان في النهر جنوبي طبريا.(4) تحول »اسرائيل« ما مجموعه (130م.م.م) من مياه الينابيع المالحة عن بحيرة طبريا، لضمان عذوبة مياه البحيرة، وتلقيها في مجرى نهر الأردن، جنوبي طبريا، مما يرفع نسبة الملوحة في مياهه الى درجة يستحيل معها استعمال هذه المياه لأغراض الري الزراعي.(5) أدى حبس تدفق المياه من طبريا في مجرى النهر، وتحويل المياه المالحة اليه الى كارثة بيئية في اراضي الزور الاردنية (المحاذية للنهر) وتبلغ مساحتها (60) ألف دونم من مزارع الحمضيات والموز، فلم تعد صالحة للزراعة. وتصل حقوق منطقة الزور الاردنية الى (100م.م.م) من مياه طبريا. »اسرائيل« تمنع اسالة هذه الكمية من المياه قطعيا في مجرى النهر. وهو ما يؤدي، من جهة اخرى، الى انخفاض منسوب البحر الميت.(6) تستخدم »اسرائيل« بالكامل مياه الاودية والنيابيع على الضفة الغربية للنهر.وبذلك تستأثر »اسرائيل« بكميات المياه التالية من حوض الاردن:أ كل المياه العذبة من اعالي نهر الاردن، حتى طبريا وتقدر ب(574م.م.م).ب كل مياه الاودية على الضفة الغربية للنهر، وتقدر ب(230م.م.م).اي ما مجموعه (904م.م.م) بالاضافة الى:ج (25م.م.م) من مياه نهر اليرموك، منحتها اياها المعاهدة الاردنية »الاسرائيلية«.وهكذا فان »اسرائيل« تحصل على (929م.م.م) من مياه حوض الاردن، اي اكثر ب(529م.م.م) مما قدرته لها خطة جونستون.الاتفاق المائي الأردني الاسرائيليانطلق الاتفاق المائي الاردني »الاسرائيلي« مما يأتي:1 إقرار الجانب الاردني بالواقع القائم من استئثار »اسرائيل« بكل المياه العذبة في اعالي النهر حتى بحيرة طبريا. وتنازل الجانب الاردني، بذلك، عن اي حقوق مائية عربية في بحيرة طبريا وفي المصادر المائية شمالها. وتبلغ الحقوق المائية العربية، هنا، حوالى (200م.م.م) منها (100م.م.م) حقوق اراضي الزور الاردنية، تنازل عنها الجانب الاردني نهائيا، ومنها (100م.م.م) حقوق الضفة الغربية، تُرك البحث النهائي فيها للمفاوضات الفلسطينية »الاسرائيلية«.2 وبالمقابل، وافقت »اسرائيل« على الحصة المائية الاردنية الآتية من مصدرين: (أ) مياه الاودية في الضفة الشرقية للنهر، ومقدار تصريفها السنوي يبلغ (175م.م.م) و(ب) مياه نهر اليرموك، وحصة الاردن منها حوالى (330م.م.م) ويلاحظ ان »اسرائيل« لم تقر بأكثر من الوقائع التي هي خارج تصرفها.3 بعد ذلك، انحصر التفاوض بين الجانبين على مياه نهر الاردن، جنوبي طبريا. وهي مياه مالحة ملوحة شديدة وشحيحة، فاتفق الجانبان على تقاسمها.4 بمثابة التعويض، حصل الجانب الاردني على الحق في تحلية كمية من المياه المالحة »الاسرائيلية«، تعطي (60م.م.م) من المياه الصالحة للاستخدام.ينبغي التنبيه، هنا، الى ان تحلية المياه المالحة على الجانب »الاسرائيلي«، يمثل خدمة بيئية »لاسرائيل«، وهي خدمة مكلفة للغاية، بالنظر الى انها تلزم الجانب الاردني على الاقل بنصف تكاليف محطات التحلية، وبكامل الكلفة التشغيلية لهذه المحطات، وبكلفة الضخ. وهي تكاليف باهظة بالنظر الى ارتفاع اسعار الطاقة في »اسرائيل«، ومسافات الضخ البعيدة، علما بأن محطات التحلية، تتغير اجزاؤها خلال فترات قصيرة تتراوح بين 5 و10 سنوات، مما يجعل كلفة ادامتها وتجديدها عالية جدا.واذا كنا نعرف ان هناك بديلا أقل كلفة، الا وهو تحلية المياه الجوفية الموجودة بكثرة بالقرب من المدن الاردنية، وهي ذات نوعية افضل، وأقل ملوحة، لجاز لنا ان نسأل عن السبب الذي حدا بالجانب الاردني الى الموافقة على المشاريع المشتركة لتحلية الملاحات »الاسرائيلية«؟، ويكمن السبب، في رأينا، في الاعتقاد بأن »المشاريع المشتركة« مع اسرائيل، تحظى بأولوية تمويل دولية، لا تحظى بها المشاريع الاردنية الخالصة. مما تأكد انه مجرد وهم. وحتى الآن، لم يجد المسؤولون الاردنيون ممولا دوليا لمشروع تحلية الملاحات »الاسرائيلية«، كما ان الجانب »الاسرائيلي« غير مهتم.4 أسقط الجانب الاردني، نهائيا، الحقوق المائية لمليوني لاجئ ونازح فلسطيني يعيشون في الأردن، وقدموا اليه، اصلا، بسبب العدوان »الاسرائيلي« عام 1948 وعام 1967، وشكلوا عبئا ديموغرافيا على مصادر المياه الاردنية، ليحل على ارضهم، ويسلب حقوقهم المائية فيها، مهاجرون يهود جاءوا من مناطق رطبة.5 اتفق الجانبان الاردني و»الاسرائيلي«، على مبدأ الربط المائي الثنائي. وبموجبه يقوم الجانب الاردني بتخزين فائض المياه الشتوية وهي بحدود (20م.م.م) في بحيرة طبريا، يستعيدها صيفا. وبالنظر الى ان »لاسرائيل« مصلحة مباشرة في هذا المشروع، فقد تم انجازه، حيث أقيم خط أنابيب لنقل المياه إلى ومن طبريا، على نفقة الجانب الاردني. وتستفيد »اسرائيل« من هذا المشروع بحصولها على مياه عذبة، شتاء، تحسن نوعية المياه في بحيرة طبريا، بينما تتحكم هي بكميات ونوعية المياه التي تضخها صيفا.هذا، وقد تم اعتماد هذا المشروع، من الجانب الاردني، لأسباب سياسية، اذ ان اقامة خزان محلي لتخزين فائض المياه شتاء، أقل كلفة من اقامة خط انابيب النقل الى ومن طبريا، كما ان كلفة الضخ والنقل من خزان محلي تقل بنسبة 80$ عن كلفة الضخ والنقل عبر خط انابيب طبريا. بالإضافة الى ان التخزين، محليا، يحافظ على نوعية المياه، ويعطي للادارة الاردنية، القدرة على التحكم في مواعيد وكميات الضخ.6 بالرغم من ان نهر اليرموك، هو نهر سوري أردني، وليس للأراضي الفلسطينية »الاسرائيلية«، حقوق عليه، باستثناء حقوق مثلث اليرموك، ومقدارها (17م.م.م) الا ان الجانب الاردني، وبدون موافقة سورية، اتفق مع »الاسرائيليين« على ما يلي:أ إقرار حقوق مائية اردنية لدى سورية، في اتفاق مع طرف ثالث: »اسرائيل«.ب تخصيص ما مقداره (25م.م.م) من مياه اليرموك »لإسرائيل«.ج إقامة سد تخزيني تحويلي أردني »اسرائيلي« مشترك على اليرموك.وقد ادى ذلك الى نشوب مشكلة مائية بين الاردن وسورية. حيث لم تعد الاخيرة تعترف، واقعيا، بالحقوق الاردنية في اليرموك ومقدارها (330م.م.م) وتتلخص وجهة النظر السورية بأن قيام سورية بالسحب فوق حصتها من مياه اليرموك، وتخزينها في سدود محلية، وهو ضمانة لعدم تسرب هذه المياه الى »اسرائيل«، عن طريق الاردن.7 اعترافا بواقع الحال، تنازل الجانب الاردني عن ما مقداره (405م.م.م) من المياه العذبة لإرواء اراضي »الباقورة« التي نصت المعاهدة الاردنية »الاسرائيلية« على ان »للاسرائيليين« فيها حقوق تملك، وعن ما مقداره (10م.م.م) من المياه الجوفية العذبة لإرواء منطقة »الغمر« في »وادي عربة«، التي »للاسرائيليين« فيها، حسب المعاهدة، »حقوق ايجار«، وهكذا نلاحظ ان تنازل الجانب الاردني عن اراضي (الباقورة) و(الغمر) »للاسرائيليين«، استتبع التنازل عن حصصهما المائية.* * *بالنظر الى انكشاف الاتفاق المائي الاردني »الاسرائيلي«، وتأخر انشاء المشاريع المائية المتضمنة في هذا الاتفاق، وخاصة محطات التحلية والسد التخزيني التحويلي على اليرموك، وافقت اسرائيل على تقديم »منحة« مائية مقطوعة (غير متجددة) الى الاردن بحدود (90م.م.م) تضخ، على ثلاث سنوات، بواقع (30م.م.م) سنويا.السد على اليرموكاولا نصت المادة (2) من الملحق المائي للمعاهدة الاردنية »الاسرائيلية« على ما يلي:»1 يتعاون الأردن و»اسرائيل« لبناء سد تحويلي تخزيني على نهر اليرموك يقع مباشرة الى الغرب من تحويلة العدسية النقطة 121 والهدف هو تحسين كفاءة تحويل المياه من مخصصات المملكة الاردنية الهاشمية الى قناة الملك عبدالله، وربما الى تحويل مخصصات »اسرائيل« من مياه النهر، ويمكن الاتفاق بين الطرفين على أية اهداف اخرى.2 يتعاون الاردن و»اسرائيل« لبناء نظام لتخزين المياه على نهر الاردن على حدودهما المشتركة وذلك بين نقطة التقاء نهر اليرموك به ونقطة التقاء وادي اليابس طيرات تسقي به، وذلك لتنفيذ ما ورد في الفقرة (2 ب) من المادة (1) اعلاه. ويمكن لنظام التخزين ان يخزن فيضانات اكبر، ويجوز »لاسرائيل« ان تستخدم ما سقفه (3م.م.م)/ السنة من الطاقة التخزينية.3 ويمكن مناقشة خزانات اخرى والاتفاق عليها بين الطرفين«.ثانيا وبناء عليه، قامت الحكومة الاردنية بإجراء دراسات وتنفيذ تصاميم وإعداد وثائق العطاءات الخاصة بسد العدسية، وبدأت بالبحث عن مصادر دولية لتمويل المشروع، باعتباره احد »مشاريع السلام«.ثالثا قررت الحكومة »الاسرائيلية« في تموز 1997، وبدون العودة الى الحكومة الاردنية، الموافقة على توصية تقدم بها وزير البنى التحتية »الاسرائيلي«، آرئيل شارون، لنقل موقع السد على اليرموك من الموقع المتفق عليه في المعاهدة الاردنية »الاسرائيلية«، الى موقع جديد في الحمة السورية المحتلة.رابعا وبالنظر الى ما يثيره الموقع الذي اقترحه آرئيل شارون وأقرته الحكومة »الاسرائيلية«، من مشاكل مع سورية، وبالنظر الى الرفض الحاسم الذي أعلنته الادارة الاميركية لاقامة السد »في اراض متنازع عليها«، اعلنت الحكومة الاردنية، انها، بدورها، لا توافق على اقتراح ارئيل شارون، وانها تتمسك بالموقع الذي حددته المعاهدة لإنشاء السد، اي الى الغرب من تحويلة العدسية النقطة 121.ويؤكد المسؤولون الاردنيون، إصرارهم على بناء السد من جانب واحد، باعتباره مشروعا اردنيا خالصا. ولكن، من غير المعروف كيف سيواصلون ذلك بدون موافقة »اسرائيل«، طالما ان الموقع الذي يلحّ عليه المسؤولون الاردنيون، يقع داخل الحدود »الاسرائيلية«، وطالما ان الحصول على تمويل دولي للمشروع يحتاج الى موافقة »اسرائيلية«.خامسا وتتمسك الحكومة »الاسرائيلية«، من جهتها، باقتراحها إنشاء السد على اليرموك في الاراضي السورية المحتلة. وهي ما تزال تصر على الموقع الذي تقترحه، حتى لو ادى الامر الى قيامها بإنشائه بصورة منفردة.وقد تلجأ »اسرائيل« الى اقامة سد على اليرموك في الموقع الذي تقترحه، بدون مشاركة الاردن، كما انها قد توافق على ان يقيم الاردنيون، السد، في الموقع الذي نصت عليه المعاهدة، بدون مشاركتها. فيكون لدينا، في النهاية مشروعان وسدان.ويبدو ان الامور تسير، بالفعل، في هذا الاتجاه. وهذا هو السبب في ان الحكومتين، الاردنية و»الاسرائيلية«، تصدران تصريحات متناقضة حول مشروع السد على اليرموك، كما ان »الاسرائيليين« يحاولون، بالفعل، عرقلة جهود الملك حسين، للحصول على تمويل اوروبي لهذا المشروع، بوصفه »مشروعا مشتركا«. ولكن، اذا ما انتهى الجدال الى اقامة سدين في الآن نفسه، فسيكونان »متكاملين« عمليا: حيث يقوم السد »الاسرائيلي« في الحمة بوظيفة تخزين مياه اليرموك والتحكم بها، بينما يبقى للسد الاردني، وظيفة واحدة، هي وظيفة التحويل والتنظيم. وباختصار، فان ترتيبا كهذا سيضع مياه اليرموك الخارجة من الاراضي السورية تحت رحمة »الاسرائيليين«. وهو ما سيدفع بالسوريين الى الاستمرار في مشاريع التخزين المحلي من مياه اليرموك، مما سيؤثر، جديا، على حصة الاردن المائية من اليرموك، ويفتح، في المجال، امام توسيع شقة الخلاف السوري الاردني في المجال المائي.* * *من العرض السابق، نستطيع ان نستنتج ما يأتي:اولا ان استراتيجية الصلح المنفرد بين اي من اقطار بلاد الشام و»اسرائيل«، هي استراتيجية مآلها الفشل، وتؤدي، عمليا، الى تعقيد المشاكل القائمة وخلق المزيد منها. وذلك لان حجم تشابك المصالح الفعلية بين الاردن وفلسطين وسورية ولبنان، لا يسمح، واقعيا، لأي من هذه الأقطار بأن ينجز اتفاقا ثنائيا مع »اسرائيل«، ويكون غير مجحف (او متعلق) بحق قطر آخر، وبالتالي قابلا للحياة. وقضية المياه في حوض الاردن هي مثال ساطع، وهو ما نستطيع ان نلاحظه، ايضا، في قضايا اخرى مثل قضية اللاجئين والنازحين، والنقل، والسياحة، والتبادل التجاري… الخ، عدا عن القضايا الكبرى مثل الامن والدفاع والوحدة.ثانيا ان الخطة التفاوضية التي اعتمدها الفلسطينيون ثم الاردنيون والقائمة على تحقيق اهداف آنية، على رأسها انجاز اتفاق سياسي بأي ثمن، بما في ذلك التفريط بالحقوق الاساسية او تأجيلها او القبول بالتعويض عنها في إطار اقليمي او دولي، لا تقوم على اساس واقعي، وسرعان ما تنكشف الاتفاقات الناجمة عنها، بوصفها نوعا من التورط في خديعة.ثالثا ان الافكار التي روّجها الاميركيون و»الاسرائيليون«، والداعية الى الفصل بين التعاون الاقتصادي والانمائي والبيئي والمائي… وبين الاطار العام للحل السياسي في المنطقة، ليس لها اي اساس واقعي. فهذا التعاون لا يخدم قضية السلام، ولا يفتح الباب امام الحل السياسي. ولكنه يخدم المصالح »الاسرائيلية« ويؤدي، فعليا، الى تأزيم الحل السياسي.