ناهض حتّر
لم يفشل الردايدة ابداً، في الاخلاص للاردن .. وقضاياه.
عرفت زايد الردايدة، في مطلع التسعينات .. فقد كان جاري في مكتبي الخاص في جبل اللويبدة. وعند ذاك، اصبحنا صديقين، واحياناً، رفيقين، فقد نظمنا، مراراً، اعمالاً ولجاناً سياسية مشتركة.
زايد، المحامي الاستاذ الرزين الانيق، ظل في اعماقه دائما، فلاحاً اردنياً حيياً ومهذباً وصاحب نخوة. طيب القلب ولا يخلو من الحذر. لقد احببت ابا محمد، واعتبرته عضواً دائما في «المكتب السياسي» لمنظمة الذين احبهم امضيت مع ابي محمد، ساعات طوال من الحوارات السياسية. وكان – مثل سائر المثقفين القوميين الاردنيين – يلح على صياغة خطابه السياسي من دون قطيعة ظاهرة مع الخط القوموي .. لكن الردايدة، كان قد انجز، بالفعل، قطيعة جذرية مع هذا الخط، باتجاه التفاعل مع منطلقات واولويات الحركة الوطنية الاردنية. وقد عملنا معاً، في اواسط التسعينات، على ايجاد اطر لاحياء هذه الحركة. وفي العام ،1996 كان الردايدة احد مؤسسي صحيفة «الميثاق» التي صدرت عامي 97 و 98 لتكون لسان حال الوطنية الاردنية، وقد لعب الردايدة، في هذا المشروع، دوراً مميزاً، وتحمل، بشجاعة، الكثير من اعبائه المعنوية والمالية.
غير ان «احلى الاوقات» في صداقتنا كانت تلك التي عشناها اثناء فترة اختفائي عن المطاردة الامنية، خلال وبعد احداث آب 1996 . لقد كنت مطلوباً بتهم مزلزلة – انتهت الى لا شيء – ومختفياً، خشية التهديد بالانتقام من قبل مرجعية نافذة. وكانت صلتي مع الحياة العامة تمر عبر بضعة اشخاص معدودين، من بينهم زايد الردايدة.
كنت على اتصال حثيث معه، للمتابعة والتنسيق القانوني وحين قررت تسليم نفسي الى محكمة امن الدولة كان الردايدة هو الصديق الوحيد الذي قدم الي مخبئي، وساهرته حتى الصباح، حين ناقشنا كل التفاصيل المتعلقة بالقضية والاسئلة الممكنة والاجابات .. الخ وكان بانتظاري في «المحكمة» ورافقني الى سجن الجويدة مع زملاء اخرين. وما زلت اذكر، بابتهاج شديد، وقفتنا عند مطعم لحوم، حيث تناولنا وجبة شهية من الكباب، في الطريق الى السجن. وهذا ما يحدث فقط في الاردن، وبرفقة اناس طيبين من الشرطة، وبحضور محامين .. مثل الردايدة.
وقف الردايدة معي، وقفة رجال في تلك المحنة، وهونها عليّ، وكان بالنسبة لى، ملاذا موثوقاً واخاً.
خاض الردايدة الانتخابات النيابية مرتين. وفشل الناس في ارساله الى البرلمان. ولم يفشل هو في امتحان محبة الشعب، والدفاع عن قضاياه. لقد حال «قانون الصوت الواحد» بين الردايدة وبين البرلمان، فخسرنا طاقة سياسية وقانونية كان يمكنها ان تترك بصمات حقيقية تحت القبة.
اشعر بالأسى الشديد لرحيل الصديق الحبيب ابي محمد مبكرا، لكنني اشعر بأسىً اكبر لاننا لم نوف الرجل حقه في حياته. ويا للمرارة، ان بلدنا يظلم، اجمل ابنائه.
مع ذلك كله، يملؤني الآن – وانا اكتب عن الردايدة – شعور بالفخر وبهجة الذكريات التي ستبقى في القلب دائماً في صورة صديق وفيّ وشجاع وكريم، طيباً مثل طفل، صلباً مثل اب ..اردنياً حقيقياً.