رسالة مفتوحة الى صديق…

ناهض حتّر

حين سقطت بغداد، نزفتُ مثل ذئب جريح في البراري، ولكنني لم أبك. كنت ما ازال اراهن على العراق. وكتبت، في اليوم التالي، مقالاً بعنوان: «الحرب لم تنته». ولم تكن تلك نبوءة وسط حالة من الهذيان العام بالهزيمة والشماتة، ولكنه كان اعتصاماً بالرؤية التاريخية والتحليل الاستراتيجي. وليس هذا هو موضوعنا. موضوعنا هو الخوف… على الاردن. كانت الدبابات الاميركية في طريقها الى دمشق: وصحيح انها لن تتوجه الى عمان… لكن الدبابات الاسرائيلية ما تزال تحلم بمعادلة اقليمية -دولية تمكنها من الاقتصاص من «ميشع»… وتصفية القضية الفلسطينية… في عاصمة الاردن. وحين كان «الاردن الذي في خاطري» معرضاً للدمار النهائي، ظهرت المقاومة العراقية، وتصاعدت، وتمكنت، وحوّلت «النصر» الاميركي الى… بداية هزيمة استراتيجية للمشروع الامبراطوري القادم من واشنطن، مشحوناً بنوايا التدمير الشامل للمنطقة، مادياً وثقافياً!
او تعاتبني، بعدها، لماذا اتابع المقاومة العراقية، وانجازاتها، وافكر فيها اكثر مما افكر بالكرك!؟
كلّا. ليس الأمر هكذا!
انا، بالطبع، عروبي حتى العظم… ولذلك، فأنا اردني حتى العظم. وبالتحليل السياسي الملموس فالمعركة في العراق… هي معركتنا! ليس بوصفنا عرباً فقط، ولكن بوصفنا اردنيين.
انظر:
اذا نجح الاميركيون في العراق… فالاردن الذي نعرفه، اردن قدر المجالي وحسين الطراونة وعرار ووصفي ويعقوب زيادين… سينتهي الى الابد، ولن تقوم له قائمة بعد.
ولن يكون بوسعي ان اكتب عن الشرارة بين الازميل والحجر، أو لذعة الشكوى في اغنية الصبية الاردنية «يا يمّة ثويبي ضيق». أعنى ان الكتابة، عندها، ستكون حنيناً مريضاً الى ماض آفل، وليس حفرية في الوعي الجماعي للبلد، من اجل / في اطار مشروع وطني ديمقراطي تقدمي.
انا اكتب للمستقبل. ولذلك احفر في الماضي وانقد الحاضر.
والمستقبل -الآن -في العراق!
اذا نجح الاميركيون… فسوف تحسم الليبرالية الجديدة الكمبرادورية، المعركة الداخلية الى امد طويل.
واذا انتصرت المقاومة العراقية… فسنكون على موعد مع نهوض جديد للمشروع الوطني الاردني.
***
تقول لي ان خمسة وثلاثين الف مواطن حضروا مباراة كرة القدم مع ايران… في حين انك تقدر ان مئة مواطن لن يأتوا للمشاركة في مظاهرة تأييد للمقاومة العراقية!
سأقول لك: هذه حقيقة… ولكنها «مؤقتة» واسمح لي ألا اقيّد نفسي بالمؤقت مثلما تفعل حكومتنا التي استقبلت الحاكم الاستعماري للعراق بالاحضان، ظناً منها ان المؤقت… دائم!
وبالمناسبة: انا وطني ولكنني لست سلفياً. وانا احب ان يذهب الاف المواطنين لمشاهدة مباراة كروية او الاستمتاع بسهرة غنائية… بل واتمنى مهرجانات يرقص فيها الناس في الشوارع… ويتحررون من الكآبة والشلل الجسدي الذي يدمر الروح!
انظر
انا لست قطرياً… فهذه سخافة ولكنني متجذر في المكان والزمان وارى الى الحياة بوصفها معطىً مادياً وروحياً في آن. ولذلك لا استطيع ان افصل الحقوق السياسية عن تلك الاقتصادية… عن تلك الثقافية. اعني انني افكر في سياق سياسي اجتماعي محدد، من اجل تغييره، ولكن في ضوء الاجماع الوطني-الشعبي، مستبعداً القهر… بما في ذلك القهر الثقافي.
نحن -في الاردن -نحتاج الى مشروع تنموي كبير، يوظف امكانات البلد في اختراق نهضوي اساسي، ويوقف الهدر في الطاقات البشرية، وتخريب البيئة، واستخدام البلد كمشروع سياسي.
والمشروع التنموي الوطني يقوم على استثمارات لن يلجها المستثمرون الاجانب او المحليون من القطاع الخاص… بل لا يمكن ان تقوم بها الا استثمارات جماعية، تعوض نقص الاموال بالتعاون ومضاعفة الانتاجية.
وهو ما يتطلب مشاركة واسعة شعبية وحقيقية في القرار السياسي. اي انه يتطلب ديمقراطية كاملة غير منقوصة، ترافقها جهود حثيثة لرفع السوية الثقافية للأغلبية، لكي تدرك مضمون وابعاد تدخلها السياسي في القرار الوطني، فلا يكون لمصلحة استراتيجيات رجعية.
وهذا المشروع الذي يهدف الى التنمية والعدالة والحرية في اطار وطني، يتناقض، كلياً، مع المشروع الاميركي القائم على الخصخصة وتشجيع الصادرات (والتركيز، اذن، على اجتذاب الاستثمارات الاجنبية بأي ثمن… بل والتنازل عن السيادة الوطنية كما يحدث في المناطق المؤهلة!) والغاء كل اشكال الحماية للانتاج الوطني وللعمالة الوطنية.
المشروع الاميركي-هو مشروع افقار للأغلبية. ولذلك، فهو مضاد للديمقراطية. لأن الديمقراطية، وهي بيئة لاتخاذ القرار من قبل الاغلبية، سوف تعمل ضد المشروع الاميركي.
المشروع الاميركي يركز على الليبرالية: حرية السوق، حرية التجارة، حرية الاستغلال… وكذلك، بالطبع، القدر الملائم من حرية الصحافة والعمل السياسي مع الاحتفاظ بحق القرار… للأقلية الرأسمالية.
***
المشروع الوطني الاردني… والمشروع الامبريالي الاميركي، متناقضان.
ولذلك، فالمقاومة العراقية… هي، ايضاً، اداة استراتيجية للوطنية الاردنية.

Posted in Uncategorized.