رئيس الوزراء: الصحافة لا شأن لها بالسياسة تفكيك الحياة السياسية الاردنية في مواجهة المخاطر!

العرب اليوم
ناهض حتّر
يوم الاثنين (16/04/2001) صرح رئيس الوزراء المهندس علي ابو الراغب بان التعديل الوزاري ليس عاجلاً، ولفت الى ان هذا الموضوع لا يناقش على صفحات «الصحف». ثم حسم الامر في تصريح تال (الخميس 19/04/2001) فاكد ان التعديل (او التغيير الوزاري) ليس سوى «شائعات صحف وصالونات سياسية» اي بالتعبير الشعبي «كلام جرايد».
ويستطيع المراقب المحايد ان يستنتج من تصريحي دولة الرئيس هذين، ما يلي:
– ان التعديل (وربما التغيير) الوزاري، كان موضع درس وتفاعلات انتهت (مؤقتاً؟) بالتمديد للتشكيلة الوزارية القائمة بقضها وقضيضها.
– ان نظرة دولة الرئيس الى الصحافة هي نظرة سلبية جداً، فهو لا يعتبرها المكان الملائم لمناقشة المسائل الجدية (كالتعديل او التغيير الوزاريين) ثم انه يقلل من اهمية التقارير الصحافية في هذا الشأن، فهي، عنده، «شائعات صحف».
– ويبدو ان دولة الرئيس يحمل النظرة نفسها الى الصالونات السياسية.
وهناك مواطنون كثيرون ممن يعتقدون وهذا من حقهم بالطبع ان الصحافة هي وسيلة لنشر الكلمات المتقاطعة او نعوات الراحلين او اعلانات الوظائف الشاغرة، بيد ان هؤلاء اشخاص منكفئون عن العمل العام، وليسوا رؤساء وزارات في بلد ديمقراطي حيث يتم الاعتراف بالصحافة بوصفها «السلطة الرابعة» الى جانب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية… فالمجتمعات الديمقراطية الحديثة هي التي ابتدعت الصحافة كوسيلة للمناقشة العامة للشؤون العامة، بما في ذلك تعديل الحكومات وتغييرها! ولو كانت الصحافة الاردنية تتمتع بقدر اكبر من الحرية، لربما دافعت عن كرامتها بنشر كل ما لديها من معلومات وحيثيات حول مداخلات التعديل والتغيير الوزاريين، لكي يحكم القارئ للصحافة… او لدولة الرئيس!
لقد كنت واحداً من الذين استقبلوا حكومة المهندس علي ابو الراغب بالترحاب وكان ما دفعني لذلك شيئان:
الاول -نزعة الحكومة الى اصلاح ما فسد من العلاقات الاردنية -العراقية وهذه العلاقات، عندنا، ثمينة استراتيجياً، بحيث ان حكومة تريد -مهما كانت دوافعها-تعزيز تلك العلاقات، تستحق الدعم -مهما تكن نزعاتها الاخرى ضارة. فعلاقات امتن مع بغداد، سوف تعزز موقع الدولة الاردنية ودورها الاقتصادي-الاجتماعي ومن شأنها ان تنأى بعمان -موضوعياً عن تل ابيب، وذلك بالاضافة الى الابعاد الاقتصادية المعروفة لهذه العلاقات…
والثاني -ان رئيس الحكومة، المهندس علي ابو الراغب رجل اعمال كان قريباً دائماً من الخط الليبرالي. وحسبت انه، بذلك، سوف يترك السياسة للسياسيين اي انه سيركز على تطبيق نظراته في المجال الاقتصادي، ويقايض ذلك بالانسجام مع الرأي العام، وتوخي عدم الدخول في مجابهات سياسية، لاعطاء الفرصة للاحزاب والقوى والشخصيات السياسية والصحافة، مساحة اوسع من الحرية.
ويقتضي الانصاف القول ان حكومة ابو الراغب اعطت العديد من المؤشرات في هذين الاتجاهين، ولكن بدون ان تستكمل المشوار، مما جعلها تبدد انجازاتها اولاً باول وبدون اضطرار، منتقلة من مربع الى اخر انتقال مدير الازمة المسرع الذي لا يدرك انه يستهلك رصيده وصدقيته، بالسرعة نفسها.
كانت زيارة ابو الراغب الى بغداد وتصريحاته اثناءها بانه يريد تعزيز العلاقات الثنائية لا على المستوى الاقتصادي فقط، بل بالدرجة الاولى على المستوى السياسي (والاجتماعي والثقافي… ) بداية ممتازة لصوغ سياسة حكومية تحظى بالاجماع الوطني، بل ان مبادرة ابو الراغب العراقية، اعادت الاعتبار للاردن وهيبته ودوره، عربياً ودولياً، ورأى العديد من المراقبين ان عمان حققت اختراقاً استراتيجياً فاستفادت من اندلاع انتفاضة الاقصى لتستعيد مواقعها العربية، ولترد على تجاهل دورها ومصالحها في مفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية في كامب ديفيد 2000.
الا ان هذه المبادرة الكبيرة، سرعان ما تفتتت وتآكلت بسبب سلسلة من الاستجابات الصغيرة للقيود الاميركية وانعدام العزيمة السياسية بل والوقوع في مزالق ثانوية مثل المجابهة مع لجنة مقاومة التطبيع في مجمع النقابات المهنية… وهي مجابهة على صغرها محلياً-كان لها ضجة اعلامية اساءت للاردن عربياً، ونفست مبادرته العراقية، واظهرته-امام الولايات المتحدة وإسرائيل، ضعيفاً ومتردداً، وقد تراجعت الحكومة الاردنية عن تلك المجابهة ولكن بعدما وقع الضرر. وهو مجرد انموذج على التخبط السياسي، يليه انموذج اخر اورده للتأكيد. فلقد كانت ادارة الحكومة الاردنية للقمة العربية جيدة، بل وكانت كلمة الاردن في القمة ممتازة من حيث تحديد الموقف من اسرائيل الشارونية على ثوابت وطنية وقومية… وكان هذا منطلقاً ملائماً لاصلاح السياسة الخارجية الأردنية-بكل انعكاسات هذا الاصلاح الايجابية على الجبهة الداخلية – الا انه سرعان ما انتهى الى تحمل اوزار مبادرة نحو شارون، سرعان ما تنصلت منها القاهرة… وغزة، لتتركا عمان، مرة اخرى، في العراء!
الركود الاقتصادي يتعمق، ويتحول الى تآكل والاتجاه التضخمي المقترن بتراجع النمو، يرهق الاغلبية الشعبية، ويهبط اكثر فاكثر، ويوماً فيوماً بمستوى معيشتها، وتنغلق الآفاق بينما تلجأ الحكومة الى تفكيك الحياة السياسية المحلية، لتعرقل التمحور السياسي. وذلك عن طريق حقن «الشائعات» حول استحقاق الانتخابات النيابية، والصمت الاجرائي والسياسي عن قرار عقدها في موعدها الدستوري الذي يقترب على مسافة بضعة اشهر. وهو مالم يجرؤ عليه اي من «السياسيين» الذين تسلموا منصب رئاسة الوزراء منذ عودة الحياة البرلمانية الى البلاد العام 1989.
الانفلاش السياسي الناجم عن تغييب القرار حول استحقاق الانتخابات النيابية، مريح للحكومة القائمة ويلائم حركتها في لعبة البقاء، غير انه غير ملائم للدولة الاردنية ويفقدها مرة اخرى هيبتها وصدقيتها محلياً وعربياً ودولياً. وهذا خطير جداً خصوصاً في لحظة التحدي الشاروني الصعبة، وهي لحظة تستدعي اول ما تستدعي اجراء انتخابات سياسية حرة، تجريها حكومة محايدة، تنطلق منها حكومة اقطاب سياسية قادرة على المجابهة، فالامر جد. والمهمة التي تواجه الاردن ليست هي الحفاظ على الحكومة القائمة ولكن على الاردن ما يجعل محوره الحياة السياسية وتفعيلها، ضرورة وجود، وما هي الحياة السياسية، في النهاية، سوى الانتخابات النيابية، والاحزاب (والصالونات) السياسية، والصحافة والحريات… وهي كلها، غير واردة، في حسابات دولة الرئيس. 0

Posted in Uncategorized.