رئاسة مقيّدة بتناقضاتها

يواجه الرئيس المصري المنتَخَب، محمد مرسي، تحدي الرئاسة ذاته، إزاء العسكر المصممين على إخضاعه للشراكة الإجبارية، كما إزاء الإخوان المسلمين المصممين على اعتباره ممثلهم في القصر الجمهوري لضمان بناء دولة إخوانية، وحلفائهم السلفيين المصممين على مطالبته بالتطبيق الصارم لأحكام الشريعة.من دون التفاهم مع العسكر، سيكون على مرسي أن يخوض غمار صراعات ربما تفوق قدراته، ومن دون الخضوع لـ’الإخوان’، سيكون عليه أن يخسر الجهاز التنظيمي الذي يمكنه من مواجهة المعارضة المثلثة لقوى النظام القديم وقوى السلفية وقوى الحركة الشعبية التقدمية.
إلا أن بين يديّ مرسي نقطة قوة رئيسية أنه نجح في ظروف معقدة تصب في استقلاله السياسي؛ فهو فاز، من جهة، بصفته عنوانا للاعتراض على حكم العسكر لا بوصفه عنوانا اسرائيليا، وفاز، من جهة أخرى، بأصوات كتلة تصويتية تعددية تشتمل على الناصريين واليساريين والليبراليين المتناقضين مع ‘ الإخوان’، فكرا وسياسة، ولكنهم منحوا أصواتهم لمرسي كخيار وحيد متاح ضد مرشح النظام القديم، أحمد شفيق. بمعنى آخر، فإن نصف الأصوات التي حصل عليها مرسي في جولة الإعادة، فوّضته لمواجهة العسكر وليس للتواطؤ معهم. وهي منحته فرصة الرئاسة كمستقل، ولم تمنح ‘ الإخوان’ تفويضا بفرض برامجهم الدينية وفتاواهم على الدولة والمجتمع المصريين.
شكليا، استقال مرسي من الجماعة والحزب، لكن مضمون هذه الاستقالة ستحدّده الأفعال. وسيكون علينا الانتظار بعض الوقت لكي نرى ما يلي:
أولا، تشكيل الحكومة المصرية، هل ستكون هذه ائتلافية فعلا تضم في صفوفها ممثلي السبعة ملايين ناخب من خارج القوة التصويتية لـ’ الإخوان’ ممن صوتوا لمرسي؟ وهل سيكون هذه الائتلاف شكليا أم فعليا؟ وهل سيكون مؤقتا أم دائما؟ وهل سيترجم نفسه في برنامج حكومي ائتلافي أم لا؟
ثانيا، الموقف من التكوين الاجتماعي الثقافي المصري، هل سيستخدم مرسي سلطاته لفرض تصوّر ‘ إخواني’ في هذا المجال أم أنه سيلتزم، أخلاقيا، بكون التفويض الشعبي المحدود المعطى له يؤهله لإدارة الدولة وليس لتغيير تركيبتها الثقافية؟
ثالثا، هل سيتمسك مرسي بنظرة ‘ الإخوان’ النيوليبرالية في المجال الاقتصادي أم أنه سيتجه إلى توليف برنامج اقتصادي اجتماعي وطني من طبيعته أنه سيصطدم مع شبكة كبار رجال الأعمال ـ ومنهم إخوانيون قياديون مثل خيرت الشاطر ـ؟ وهل يمكن لمرسي أن يتصور قيام العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروة وفق آليات تنموية وتعاونية وضريبية وليس وفق نظرية المساعدات والإحسان ..الخ ؟
رابعا، هل سيتمكن مرسي من استعادة الدور القيادي المصري المستقل في المنطقة؟ هنا، ربما كانت الإجابة توضّح نفسها من خلال وقائع هي:
(1) أن مرسي مقيد بالالتزام بالعلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة سواء من خلال المؤسسة العسكرية أو من خلال التفاهمات المسبقة مع الأمريكيين.

(2) أن مرسي مقيد ـ ووفقا لإعلانه ـ بمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل.
(3) أن مرسي مقيّد بالعلاقة مع السعودية وقطر بحكم العلاقات التقليدية والتمويل الخليجي لـ’ الإخوان’ وحملاتهم الانتخابية.

ولذلك، اضطر مرسي، سريعا، إلى سحب تصريحاته عن تطوير العلاقات الثنائية مع إيران، والتي كان وصفها، عن حق، بأنها تضمن لمصر نوعا من التوازن الاستراتيجي في علاقاتها الدولية، كذلك، تبنى فورا الموقف الخليجي التركي الغربي من الأزمة السورية، حارما القاهرة من لعب دور تسووي في سورية.
بالنسبة للزعيم الناصري، حمدين صباحي ( الحاصل على حوالي ثلث الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات المصرية) فيظهر أنه متشائم إزاء رئاسة مرسي، بحيث أنه اعتذر عن التعاون واحتفظ بموقعه، على حد تعبيره،’في صفوف الشعب الكادح والمعارضة الوطنية.’
رئاسة مرسي ليست من ‘ صنع الله’، كما يقول قيادي إخواني أردني، فالله ـ سبحانه ـ لا يتدخل لصناعة الرؤساء، بينما تدل الوقائع على أن تلك الرئاسة حصلت بالتسلّل والمصادفات والعلاقات المتعددة المتداخلة من التماهي مع رأسماليين مستبعدين ومحاصرين في عهد مبارك، إلى التحالف مع الخليج إلى التفاهم مع واشنطن إلى التواطؤ مع العسكر إلى استجرار القوى الوطنية الشعبية للاقتراع لمرسي،اضطرارا، لئلا يفوز المرشح المباركيّ، أحمد شفيق. وهكذا، فإن رئاسة مرسي تبدو محاصرة بتناقضات القوى التي انتجتها. وستظل أسيرة لها.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.