العرب اليوم
ناهض حتّر
عندما راجعنا، بدقة، نص تصريحات الرئيس السوري بشار الاسد، الى صحيفة نيويورك تايمز (الاثنين الماضي) وجدنا ان الخبر الذي بثته وكالة الانباء الفرنسية حول هذه التصريحات، لم يأخذ بعين الاعتبار، الاسلوب السجالي الاكاديمي الذي يتبعه الرئيس الشاب، وهو ينهج، خلاله، تكتيك الاقرار بنقطة (خلافية) من اجل توضيح نقطة اخرى اهم من وجهة نظره او حتى لشرح وجهة نظره هذه.
فالرئيس الاسد لم يقل، مثلا، انه يؤيد او حتى لا يعارض وجود القوات الاميركية في العراق، بل قال ان هذا الوجود «ليس هو المشكلة»، بل ان «المشكلة هي معرفة اذا ما كانت الولايات المتحدة الأميركية، ستصبح قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة، بدلا من ان تكون عامل استقرار» والخلاصة المنطقية لهذه الاقوال، هي، بالطبع، معارضة لوجود الاميركيين في العراق، ومشككة في دورهم في المنطقة.
وبطبيعة الحال فإن الاسلوب السجالي الذي ينفع في محاضرة جامعية او مقال، لا ينفع في التصريحات السياسية، وخصوصا اذا كانت صادرة عن الرئاسة السورية التي ينظر الى سياساتها دائما بصورة رمزية. فالنيويورك تايمز لم تلتق الاسد بصفته مفكرا او محللا، بل بصفته رئيس الجمهورية العربية السورية.
لقد اعلن الرئيس الاسد ان المخابرات السورية تتعاون مع المخابرات الاميركية، ما ادى الى افشال 7عمليات في العراق حتى الان. انه برهان على ان سورية لا تشجع «الارهابيين» على التسلل الى العراق ومهاجمة قوات الاحتلال الأميركية، ولكن الاسد يلاحظ، في الوقت نفسه، ان الفا او الفي شخص يأتون من خارج العراق، لن يغيروا المعادلة.
وليس جديدا ان الرئيس الاسد، يريد استئناف المفاوضات مع الاسرائيليين من دون شروط مسبقة، وانه غدا مستعد للقبول بالتطبيع الكامل مع اسرائيل لقاء انسحابها من الجولان. وهو يدعو واشنطن، بالطبع، الى القيام بدور نشط وفعلي في ايجاد الوسائل لتحقيق السلام في الشرق الاوسط.
وتصريحات الاسد، بكل حججها وخلاصاتها، يمكن ايجازها بالآتي: ان سوريا مستعدة للتفاهم مع الاميركيين-ولو بشروط جديدة، غير ان الاسد يشكو من ان واشنطن لا تريد مثل هذا التفاهم، وهو ما يحاول اقناع القارئ الاميركي به.
وقد كانت السياسة السورية طوال العقود الثلاثة المنصرمة تتضمن تفاهمات عيانية مع الاميركيين. وهي تفاهمات لم تلغ الصراعات بالطبع. غير ان الاميركيين نظروا، دائما، الى النظام السوري بوصفه «قوة استقرار» في المنطقة. وقد كانوا في معظم الاحيان، مستعدين للتعامل مع هذه الحقيقة، بكل ما تتضمنه من خطوط التقاطع والتعايش والتعارض، وقد ضمن ذلك لسورية حصانة ما ازاء التفوق العسكري الاسرائيلي، ونوعا من الاقرار الاستراتيجي بدورها الخاص وقدرتها على معارضة «العملية السلمية» دون اعتراضها. ولطالما كانت دمشق مستعدة لتسديد فواتير هذه المعادلة المعقدة، حتى بالذهاب مع الاميركيين الى «تحرير الكويت» العام 1991.
الجديد هو ان واشنطن تحت قيادة المحافظين الجدد، لم تعد معنية بالتفاهم مع النظام السوري. وهي تريد اسقاطه والذي منعها حتى الان من التصعيد ضد سورية، هو تصاعد المقاومة العراقية، وتعثر المشروع السياسي الاميركي في عراق يمضي نحو المجهول.
كلا! لم تعد الولايات المتحدة الاميركية تسعى الى الحفاظ على «الاستقرار القديم» في المنطقة وانها تريد «استقرارا جديدا» غير مسموح في معادلاته، باستمرار الانظمة التي تقوم على القطاع العام وتتبع الايديولوجية القومية او تحتفظ بجيوش وطنية او منظمات شبه عسكرية او تمارس، عملا او قولا، سياسات معادية لاسرائيل.
ان السياسة الاميركية حيال النظام السوري، واضحة تماما. فهي قدمت مطالب وتهديدات، ورفعت الحصانة عن الاراضي السورية ازاء الاعتداءات الاسرائيلية واقرت قانون محاسبة سورية، وهي تحرض لخروج القوات السورية والنفوذ السوري من لبنان… الخ.
المشكلة ان السياسة السورية حيال اميركا، ما تزال تعيش اوهام الماضي!
سورية هي الرقم (2) في الحرب الاميركية على العرب. وقد منحت المقاومة العراقية، السوريين، وقتا اضافيا جرى استهلاكه، حتى الآن من دون جدوى، في استرضاء الاميركيين؛ وليس بالاستعداد والتحشيد لمواجهتهم!