ناهض حتّر
التطورات الدراماتيكية الحاصلة في المنطقة العربية، تثير الكثير من المشاعر والمواقف، لكن الاهم يبقى هو دلالاتها الاستراتيجية. ذلك ان يوماً او بضعة ايام في التاريخ، قد تختصر عقودا، كما ان حدثا رئيسيا واحدا قد يجعل كل المواقف والترتيبات السياسية القائمة، من الماضي.
الدلالة الاستراتيجية الرئيسية التي ينبغي على الجميع اخذها بالاعتبار،هي ان الحدث اللبناني – الاسرائيلي، قد اوقف اللاحدث في المنطقة العربية. ونحن، الان، في مواجهة تغييرات عميقة للغاية في السياسة الشرق اوسطية، مركزها ان حدود القوة الاسرائيلية قد انكشفت في المواجهة مع حزب الله. فيكفي ان تصمم منظمة شعبية ذات قدرات تنظيمية وتسليحّية عالية على المواجهة مع القوة الاسرائيلية، حتى تظهر، بوضوح نقاط الضعف القاتلة في هذه القوة. اسرائيل مكشوفة استراتيجيا، ويمكن من الناحية العسكرية، تحويل الحياة اليومية فيها الى جحيم، ولحجمها عن الرد برد، وادخالها في حرب استنزاف مميتة.
يشكل حزب الله، ربما – 1 بالمئة من القدرات العربية، وبهذا الواحد بالمئة يمكن تمريغ العسكرتاريا الاسرائيلية واصابة القيادة الاسرائيلية بالحيرة والارتباك، وارغام قسم كبير من الاسرائيليين على «اللجوء» الداخلي او النزول تحت الارض، في دولة ضيقة الارض، يتركز سكانها في مثلث لا يتجاوز بضعة آلاف كيلو مترات مربعة، ويواجه مقاومة شعبية مسلحة داخلية، في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام .67
على اسرائيل ان تعيد حساباتها الان، فهي – اولا – مجرد عبء ثقيل على «المشروع الامريكي» للشرق الاوسط وهي نقطة الضعف الرئيسية في هذا المشروع. هذه النقطة التي هاجمها حزب الله، بكفاءة، بحيث ارتبكت فورا كل المخططات الامريكية ازاء العراق وايران وسورية ولبنان وفلسطين. وبدلا من ان تكون اسرائيل، بالمعنى الاستراتيجي، قاعدة متقدمة للامريكيين، اصبحت هي الخاصرة الضعيفة للوجود الامريكي في المنطقة. ويمكن من خلال استهدافها، تخفيف التعرض غير المباشر للولايات المتحدة على صعيد المنطقة كلها.
بالتطورات الاخيرة، لم يسقط الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية فقط، بل ان قدرة اسرائيل على الوجود الآمن والمسيطر، قد سقطت. وهو ما سيفرض اعادة التوازن في العلاقات «السلمية» بين البلدان العربية واسرائيل.
تستطيع مصر والاردن، الآن، تغيير شروط اللعبة على تل ابيب، لمصلحتيهما. فبالحسابات الاستراتيجية، القاهرة وعمان، قادرتان الآن على استدعاء الاسرائيليين الى طاولة مفاوضات جديدة.
المواجهة بين حزب الله «الشيعي» وبين اسرائيل، سوف تؤثر، مباشرة، على استعادة الوحدة الوطنية في العراق، وتعميق الصراع داخل «الائتلاف الحاكم» وبين التيارات الشيعية العربية المعارضة للاحتلال.
سورية المطلوب اليوم وساطتها مع حزب الله – لم تعد معزولة بالطبع، واصبحت المواجهة مع حكومة حماس من الماضي .. اما في لبنان، موطن الحدث، فقد سقط المشروع الحريري بضربة واحدة.
يبقى ان اهم الدلالات – بالنسبة للتطور التاريخي للامة العربية الآن – هو في امكانية وأد الانقسام الشيعي – السني، وتمهيد الارض لانطلاق حركة التحرر العربية.