خيمة الجنرال

ناهض حتّر
في “خيمة الصمود” التابعة للتيار الوطني الحر في قلب دمار الضاحية الجنوبية لبيروت، كانت مسؤولة الخيمة ورفيقها سعيدين باستقبال وفد اردني. فالاردنيون تأخروا عن المجيء للتضامن مع المقاومة!

كنّا نظن السيدة المتحررة، مسيحية.. لكن تبين انها سنية .. ورفيقها شيعي.

واوضحت لنا ان التيار الوطني الحر يشتمل على اغلبية مسيحية، ولكنه، بالاساس، تيار وطني علماني متجاوز للطائفية، ويؤمن بفكرة المواطنة والجمهورية والحرية والاخاء والمساواة. ولذلك، فهو يجند الاعضاء على اساس العقيدة السياسية لا على اساس العقيدة الدينية او المذهبيّة.

السيدة السنية ورفيقها الشيعي من «التيار الوطني الحر» حدثانا عن المقاومة وانتصارها، عن الصمود وبطولاته، عن لبنان ودوره العربي.. كأنهما من حزب الله، لكنهما، من حيث نمط الشخصية والثقافة والافكار، مختلفان بالطبع.

من الواضح انهما ليبراليان ثقافياً او قل ينتميان الى اجواء جونيه اكثر مما ينتميان الى اجواء «الضاحية». وهذا المزيج المدهش من الوطنية المتشددة وروح المقاومة والليبرالية الثقافية، هو انموذج فريد حقاً. لكنه ممكن في «خيمة الجنرال».. التي اتاحت للعناصر الاجتماعية التي تؤمن بخط المقاومة الاسلامية السياسيّ، لكنها لا تستطيع او لا تريد الاندراج في خطه الثقافي، ان تجد لها اطاراً تنظيمياً، وهذا ملمح اخر، لم اكن اطلعت عليه من ملامح الضرورة اللبنانية التي اوجدت التيار الوطني الحر.

السيدة السنية ورفيقها الشيعي من «التيار الوطني الحر» لا يماريان، طبعا، في أن الجنرال ميشال عون هو زعيم مسيحي، بل هو، عندهما، الزعيم المسيحي، لكن ذلك لا يعني، اطلاقاً، ان «التيار» هو تنظيم مسيحي.

على كل حال، فان رؤية الجنرال للمسيحية، تحولها من دين.. ومعتقد طائفي الى فكرة وطنية. فهي، عنده، تقوم على وصيتين: المحبة، وشهادة الحق.

ليس مسيحياً، بالنسبة للجنرال عون، ذلك الذي لا يحب مواطنه اللبناني محبته لنفسه.. وذلك الذي لا يشهد بالحق للآخرين.. وهو يشهد ان سلاح حزب الله لم يرتفع في وجه لبناني ابدا، ويؤكد انه لن يرتفع إلا في مواجهة عدوّ لبنان، اسرائيل، دفاعاً عن ارض لبنان ومياهه وسيادته. ولذلك، فهو غير خائف ابداً من ان يتحول انتصار حزب الله على اسرائىل الى هيمنة طائفية داخلية. انه انتصار لكل لبنان، ولكل لبناني.

انه انتصار الوطنيين الاحرار قبل الجميع، انتصار فكرة لبنان القويّ المستقل، الشعار الاثير لدى الجنرال.

ورقة التفاهم الاستراتيجي بين حزب الله و «التيار» هي التي كسرت مجاديف الحرب الاهلية الطائفية في لبنان، بعد محاولة الانقلاب الامريكية الفاشلة في 14 اذار «كذلك فان التحالف بين المقاومة الاسلامية و «التيار» هو الذي أمّن ظهور المقاومين، وحافظ على الاستقرار الداخلي، ووضع الاساس للوحدة الوطنية وقت الحرب. ولذلك يحق «للتيار» أن يشعر بأنه شريك اساسي في النصر.

انطلاقاً من ذلك – وعلى عكس «الخائفين» في الطائفة المسيحية امثال جعجع والجميل – فانه متفائل باستعادة الدور التاريخي لمسيحيي لبنان. ولا يكون هذا الدور، حسب الجنرال، بالانعزال او الارتباط بالاجنبي، بل باستعادة الدور النهضوي الذي لعبه المسيحيون اللبنانيون في القرن التاسع عشر، في مواجهة التتريك، ومن اجل انطلاق العروبة.

وتمثل هذه النزعة تطوراً عاصفاً في فكر الجنرال نجم عن اختياره خندق المقاومة ضد اسرائيل. يقول الجنرال ان تحالفه مع حزب الله هو «اختيار .. في السراء والضراء» وليس رهاناً . وهو يرى، في قوة حزب الله، قوة للبنان، من الغباء بل من الخيانة، التفريط بها.

باسم السيادة اللبنانية عمل الجنرال، طويلاً، ضد الوجود السوري في لبنان. ووفقاً للتقاليد الديموغوجية العتيدة في السياسة اللبنانية، حسب الجميع ان الجنرال يتذرع «بالسيادة» بينما يضمر تسليمها للامريكيين والفرنسيين والاسرائىليين، تماما مثلما هو الحال بالنسبة لقوى 14 اذار. لكن الجنرال اثبت انه استقلالي حقاً. فهو يريد لبنان سيداً في مواجهة كل القوى الاقليمية والدولية، وبالدرجة نفسها، بعد ان غادرت القوات السورية لبنان، لم تعد هناك قضية، بالنسبة للجنرال، مع سورية، بل اصبح من الضروري اقامة علاقات من نوع جديد معها، علاقات اخوية تقوم على الاحترام المتبادل.

لكن اسرائيل هي العدوّ الذي يحتل الارض وينهب الثروات المائية، ويعتدي على سيادة لبنان بالقوة، ويستخدم قدراته العسكرية في تحطيم هذا البلد لكي يمنع دوره الخاص في المنطقة. الى ذلك، فان اسرائىل تمنع عودة حوالي نصف مليون لاجىء فلسطيني في لبنان الى ارض وطنهم. وهذا كله يستوجب سياسة واستعدادات دفاعية لبنانية ضد اسرائيل.

خيارات الجنرال، اذن، هي خيارات استراتيجية تنطلق من تصوّر للدور المسيحي في لبنان وللدور اللبناني في العالم العربي. انه تصور نهضوي وسيادي وجمهوري لم يخنه الجنرال، ما جلب عليه عداء الامريكيين والفرنسيين. وهو يعلن انه سعيد بهذا العداء لانه يبرهن على ان التيار الوطني الحر يسير في خط مستقل فعلاً.

Posted in Uncategorized.