ناهض حتّر
في فضائية الجزيرة، أعلن محمد نزال «حماس» بأنه يملك تسجيلاً لمحمد دحلان «فتح» وهو يخاطب اجتماعا مغلقا بالقول انه سوف «يلعّب حماس خمسة بلدي» هل قالها دحلان؟ ربما! بل قالها على الأرجح! فلدى «حماس» وثيقة صوتية تدينها هي الأخرى، بالاختراق الأمني لـ «فتح»!
لقد هبط الصراع الفتحاوي – الحماسي الى مستوى متدنٍ للغاية. «فتح» التي لم تقبل – فعلياً- نتائج الانتخابات التشريعية، لها الآن هدف وحيد هو استرداد كامل السلطة ولو على نصف الأرض، في الضفة الغربية. وهي تلعب على المكشوف لعبة التحالف الأمني ضد «حماس» وتستخدم اساليب «الخمسة بلدي» في العمل السياسي. ومن ذلك، استغلال مكانة الأسرى لتجاوز الهيئات الشرعية، والقفز الى استفتاء على الوثيقة التي اعدها قادتهم في السجون.
الوثيقة- في رأيي- ممتازة، ولكن هل يتبناها قادة «فتح» فعلاً؟ أم انهم يستخدمونها لتهميش «حماس» وبرلمانها وحكومتها؟ والحقيقة ان المشكلة- بالنسبة لأداء السلطة الفلسطينية- لم تكن في الوثائق السياسية والبرامج والتصريحات. فهي، كلها، تلح على حدود الــ 67 والدولة القابلة للحياة والمتصلة جغرافيا وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين. وهذه النقاط تمثل- بالنظر الى ميزان القوى القائم- برنامجا نضالياً.. غير انه يحتاج الى مناضلين.. وليس الى سلطويين ورجال اعمال ورجال أمن وعمليات تنسيق متعددة مع الاسرائيليين، وقبول ضمني بالوقائع الجغراسياسية التي تفرضها تل ابيب.
هذا التناقض بين البرنامج السياسي النضالي الذي تقبله الاغلبية الفلسطينية.. وبين ممارسات «السلطة»، هو الذي اتاح صعود «حماس» التي سار الفلسطينيون وراءها، بسبب نضاليتها واتصافها بالنزاهة، وعدم ضلوعها في التعاون مع الولايات المتحدة واسرائيل، وليس بسبب برنامجها السياسي الديماغوجي.
لذلك، فإن الفلسطينيين انفسهم الذين صوتوا لـ «حماس» سوف يصوتون لوثيقة الأسرى. فالعقل الجمعي الفلسطيني يريد هذا «التنظيم».. وهذا «البرنامج» معاً. او قل انه يريد هذا البرنامج النضالي الواقعي بقيادة مناضلين يتمتعون بالصدقية.
لكن «حماس» لم تتعلم الدرس بعد. ولذلك تكاد تخسر المعركة السياسية الداخلية- وهي الأهم- بينما يحاصرها الامريكيون والاسرائيليون والفتحاويون وثلاثة ارباع العرب والاوروبيون.
تستطيع «حماس» ان تقلب الطاولة، بقبولها غير المشروط بوثيقة الأسرى- قبل الاستفتاء عليها- ومن ثم الانتقال الى الهجوم السياسي بالتأكيد على ان هذه الوثيقة هي برنامج نضالي – جهادي ينبذ الفاسدين و«المتعاونين» ويؤسس لجبهة وطنية قادرة على حمل اعباء القضية الفلسطينية في مواجهة التوسعية الاسرائيلية الزاحفة.
غير ان «حماس» تظهر عاجزة ومحشورة في الزاوية، بحيث يستطيع دحلان ان يلعّبها «خمسة بلدي»فعلاً!!
لماذا؟
– 1- لان برنامج «حماس» السياسي الفعلي هو اسلحة المجتمع الفلسطيني، قبل تحريره. وهذه الأولوية تستلزم التمسك بالشعارات القصووية المفرغة من المضمون الفعلي.
فــ «حماس» اقرت في المجلس التشريعي والحكومة. وليست في شوارع تل ابيب! ومن يرد التمسك بالشعارات القصووية لا يشارك في انتخابات «السلطة» وهيئاتها.
-2- لان «حماس» مقيدة بتحالفاتها الاقليمية التي تضغط على حساباتها المحلية، وتمنعها من التوصل الى صيغة جبهوية فلسطينية تضم كل اصحاب المصلحة بالتحرير.
***
الدولة الوطنية تنشأ- أولاً- في الفكر والوجدان، وتتبلور في مفهوم، وفي حركة سياسية.. وممارسات، ومن المؤسف ان «فتح» و«حماس» معاً أظهرتا انهما لا تمتلكان المفهوم الدولتي وتتصرفان على أساس فصائلي، وتعجزان، بالتالي، عن قيادة الشعب الفلسطيني في نضاله الشجاع من اجل التحرير وبناء الدولة.
لم تغادر «فتح» -سياسياً- عقلية إدارة «السلطة» في حي الفاكهاني ببيروت- المتخذة رهينة- ولم تغادر «حماس» عقلية اغلبية الاخوانية والخطابة.