ناهض حتّر
المصدر الحكومي الذي «اعتذر» عن التأخير – الفني- في خصخصة «شركة توليد الكهرباء المركزية» ووعد بالخلاص، قريباً جداً، من 51 بالمئة من أسهمها، بدا وكأنه يتحدث عن إنجاز مهمة وطنية ملحة، يتابع الرأي العام الأردني، اتمامها بفارغ الصبر!
لا اعرف لمن يتوجه «المصدر» بخطابه: للأغلبية النيابية التي أعلنت رفضها الجماعي لخصخصة «توليد الكهرباء» ام لأبناء الفئات الوسطى والشعبية التي تستعيذ بالرحمن من الكلمة المشؤومة التي أصبحت عنواناً لسياسات الاخفاء والتهميش في ظل الليبرالية الجديدة؟ ام للمثقفين الوطنيين والاحزاب والهيئات السياسية – وكلها تقف في الصف المناوىء للخصخصة-؟
هذا الوحش القَدرَي لا رادّ له في بلدنا، لا تعطله احتجاجات، ولا يخضع للنقاش الاقتصادي او الاجتماعي او حتى معايير المصالح الاستراتيجية للدولة! يسوّغ نفسه بنفسه، ويسير في طريقه، شاء من شاء وأبى من ابى.
ومع ذلك، اسمحوا لنا ان نسأل ما هي دواعي خصخصة صناعة توليد الكهرباء؟
1- الحصول على الاموال؟
ولكن عوائد الخصخصة – السابقة- تحولت الى عبء، بالنظر الى غياب الخطة الاستراتيجية لاعادة استثمارها او استخدامها في معالجة المديونية جذرياً. وجرى هدر قسم كبير منها في النفقات الجارية.
2- جذب استثمارات لتطوير التقنيات وزيادة الانتاج؟
ولكن الخبرة السابقة تقول انه لم يحدث ذلك التطوير الموعود في صناعات مخصخصة اخرى، كالاسمنت مثلاً، بل جرى نكوص تقني وبيئي فيها. كذلك، فان تمويل التطوير وزيادة الانتاج ممكن من خلال السيولة المحلية الفائضة.
3- من اجل تحسين الخدمة؟
ولكن «توليد الكهرباء» لا تتعامل مع الجمهور، بل مع شركات التوزيع.
لا يوجد، بالمحصلة، اي سبب جوهري يسوّغ خصخصة «توليد الكهرباء» وهي من أعمدة القطاع الاستراتيجي.
لم ترجع روسيا الى الاشتراكية، بل هي تعيد بناء نفسها على اسس رأسمالية – ولكن وطنية – وقد وجدت ان هذا البناء بالذات لا يقوم من دون الحفاظ على تعزيز ملكية الدولة للقطاع الاستراتيجي الذي يشتمل على الطاقة والمناجم والنقل والاتصالات والمياه والصناعات العسكرية… – ولذلك، اوقفت موسكو خصخصة «الكهرباء» باعتبارها صناعة استراتيجية لا يمكن وضع مقاديرها بين ايدي القطاع الخاص المحلي… فما بالك بالاجنبي؟.
من الممكن، في ظل ضرورات اقتصادية وفنية حاسمة، خصخصة توزيع الكهرباء، ولكن ليس توليدها، او خصخصة شركة الطيران ولكن ليس المطارات والموانئ، او خصخصة شركات الخدمة الهاتفية ولكن ليس الشبكات، او خصخصة شركات معالجة وتسويق المنتجات المنجمية كالفوسفات … ولكن ليس المناجم….
غير اننا – للاسف -نبيع مكونات القطاع الاستراتيجي، بأبخس الاثمان – وهي لا تُباع اصلا- ونهدر العوائد من دون خطة، ونمضي وراء قطار الخصخصة من دون منظور سيادي او ضرورة اقتصادية او فنية. ومع ان نتائج هذه الفوضى ظاهرة للعيان، فلم تتبلور بعد قوة وطنية اجتماعية قادرة على وضع حد لهذه المأساة… فهل يتوقف المجلس النيابي – مجددا- امام الالحاح الحكومي غير المبرر على خصخصة «توليد الكهرباء»، ويعطلها..