حيدر الزبن .. الانموذج والدلالة

شهادتي في حيدر الزبن مجروحة؛ فهو أخ وصديق ورفيق كفاح. ولو كان الأمر مرتبطا بضميره الصاحي ورجولته في ممارسة وظيفته العامة، لما كان هناك ما يستحق التنويه؛ فمن يعرف حيدرا يعرفْ أن هذه سجاياه في الكبيرة والصغيرة.
ما يدفعني للكتابة عن حيدر، اليوم، هو أبعد من حكاية شحنة أنابيب الغاز، غير المطابقة للمواصفات والخطيرة على حياة الأسر، والتي يرفض الرجل السماح بدخولها إلى السوق، وأنا على يقين من أنه لن يذعن للضغوط مهما كانت. كل ذلك اعتيادي، فهذا ما ينبغي أن نتوقعه ممن يتولون المسؤولية في أجهزة الدولة.
الأبعد يتعلق بمسألتين:

الأولى ترتبط بالثقة العامة وهيبة الدولة.
والثانية ترتبط بتولّي مناضلي الحركة الوطنية للمناصب العامة.

في المسألة الأولى، نلاحظ أن رئيس المواصفات والمقاييس، الدكتور حيدر الزبن، الذي طالما حظي باحترام وتقدير منقطعيّ النظير في أوساط المتعاملين مع المؤسسة التي يقودها، برز ، مع موقفه الشجاع في منع شحنة أنابيب الغاز المضروبة، كقيادي حكومي يحظى بالثقة العامة، في وضع خسرت فيه الحكومات والمسؤولون، ثقة المواطنين.
استعادة الثقة العامة ، إذاً، ممكنة، حين يعتلي المناصب، رجال أحرار من المصالح الشخصية والطموح الأناني والانتهازية أو الخوف، و يلتزمون تنفيذ القانون بدقة وحياد وحسّ عال بالمسؤولية الوطنية والاجتماعية. والدكتور حيدر الزبن هو نموذج لمثقفين وإداريين متوفرين في بلدنا، إلا أنهم خارج أجهزة الدولة، أو مقموعون داخلها.

يشعر المتعاملون مع الدكتور الزبن ـ والآن يشعر المواطنون ـ أنهم بإزاء رجل صادق ينطلق من صفاء السريرة والاعتزاز بالذات، وميزته ـ ببساطة ـ أنه يأخذ التزامات وظيفته ومنصبه على محمل الجد، ولا يتهاون نحو ضميره. ولعل في إشغال مناصب الدولة بأشخاص يتمتعون بتلك الميزة البسيطة، ما يستعيد الثقة بالدولة.

هناك، بالطبع، السياسات والبرامج. وهي أسّ البلاء، ولا بد من تغييرها بما يعكس احتياجات الدولة والمجتمع، لا بما يخدم الفئات أو الأفراد أو القوى أو المصالح الأجنبية، إلا أن الثقة، في النهاية، هي الثقة بالأشخاص.

على سبيل المثال، لو كان رجل كالدكتور هشام غصيب على رأس مشروع أردني، لما عارضه أحد؛ فلا يمكن أن يوافق هشام على مشروع غامض أو غير مدروس أو ضار أو مشبوه الخ. وهكذا استطيع أن اسمي أشخاصا ومناصب بلا حدود.

الآن، إذا كسرت الحكومة، شوكة الزبن، وأدخلت شحنة أنابيب الغاز عنوة، فسيكون الخطر أكبر من انتشار أنابيب الغاز المتفجرة ، أي انتشار القلق وانعدام الثقة بالدولة في كل بيت ولدى كل عائلة.

في المسألة الثانية، أثبت نموذج حيدر الزبن أنه يمكن لمناضل أن يحوز منصبا حكوميا من دون التخلي عن مبادئه، ولكن بشرطين أولهما أن يكون المناضل نفسه غير ذي طموح سياسي في إطار الحكومة، أي أن تبقى مرجعية سلوكه ومعايير ضميره في سياقها النضالي السابق، وثانيهما أن يكون منصبه فنيا؛ فقد كنّا نتمنى لرفيق سابق أن يتولى وزارة الصحة ليبرهن على فطنة ونزاهة اليساريين في خدمة مصالح الناس، لكنه للأسف غرق في وزارة سياسية، آلت به إلى خدمة مصالح فئات .

Posted in Uncategorized.