عمون – كتب: ناهض حتر – كفانا الخبير القانوني، الدكتور محمد الحموري، عبء الحديث عن الأسباب الفقهية لرفض التعديل الدستوري الخاص بإناطة سلطة تعيين رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العامة، بالملك؛ وجوهرها أن هذا التعديل ينسف بنية الدستور الأردني، القائم كله على الفصل التام بين السلطة والمُلك، ومنح الولاية العامة في الشؤون الداخلية والخارجية للحكومة المسؤولة أمام البرلمان.
في التجربة الفعلية للحكم منذ 1957، وحتى الآن، احتفظ الملك، واقعيا وليس دستوريا، بسلطة كاملة في ثلاثة شؤون، العسكرية والأمنية والسياسة الخارجية. وفي عهد الملك عبدالله الثاني، توسعت سلطات الملك الفعلية إلى الشؤون الاقتصادية أيضا. ومع ذلك، حرص الأردنيون على دستورهم، وعملوا على تطويره إلى أن تتولد الظروف المناسبة لتطبيقه، نصا وروحا.
السؤال السياسي الجوهري المطروح هنا، إذاً، هو الآتي: ما الداعي للقيام الآن بتحويل صلاحيات الملك الفعلية إلى صلاحيات دستورية في تعيين قائدي الجيش والمخابرات؟
يمكن تلخيص الإجابات الرسمية وشبه الرسمية على هذا السؤال، كالتالي:
أولا، هناك اتجاه لقيام حكومات برلمانية ذات صلاحيات واسعة، في إطار ما يسمى ‘الإصلاحات السياسية’؛
ثانيا، وبما أن الانتخابات والحكومات البرلمانية ليست، بالضرورة، مضمونة الولاء للدولة، فلا يمكن السماح بأن تكون لها السيطرة الدستورية على أهم مؤسستين سياديتين في الدولة، الجيش والمخابرات.
ثالثا، وهكذا، يكون منح الملك الصلاحية الدستورية في تعيين قائدي الجيش والمخابرات، مقدمة لسحب صلاحياته الفعلية، ولاحقا الدستورية، في كافة المجالات الأخرى، تدريجيا، في إطار ‘ خطة الإصلاح السياسي’.
ما يصمت عنه الرسميون وأشباه الرسميين هو الآتي:
أولا، لا الدولة الأردنية تحتاج موضوعيا، ولا الأردنيون طلبوا، في حراكهم الوطني، ‘ اصلاحا سياسيا’، وإنما تحتاج دولتنا وشعبنا إلى محاسبة وتصفية مؤسسة الفساد، واستعادة سيطرة الدولة على الاقتصاد، والشروع في تنفيذ برنامج وطني شعبي للتنمية في المحافظات، ومكافحة الإرهاب والفكر التكفيري، وتحصين البلد ضد الانشقاق الأهلي والأخطار الصهيونية والإرهابية، واستقلال السياسة الخارجية وخضوعها للمصالح الوطنية العليا للدولة.
أما الإصلاح السياسي، فهو مطلب ليبرالي أميركي يهدف إلى تنفيذ الجزء الأردني من تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة بناء النظام السياسي على أساس التوطين السياسي والمحاصصة، كما هو مطلب إخواني هدفه الاستيلاء على الحكومة، في سياق تنفيذ المطلب الأميركي نفسه.
ثانيا، طالما أن فتح الدستور للتعديل يتم بهذه البساطة، يطرح السؤال الوطني نفسه للمرة المليون: ماذا عن دسترة قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية التي أصبحت جزءا من كيان وطني آخر؟ ولماذا الاصرار على استمرار الارتباط الدستوري والقانوني مع الضفة؟ وهل يمكننا تفسير ذلك الإصرار إلا بمشاريع كونفدرالية آتية؟ ثم ما معنى الشروع في ‘ اصلاح سياسي’ من دون حسم الموقف إزاء قضايا اللاجئين والنازحين والعلاقات السياسية والاقتصادية مع الضفة الغربية؟
دسترة فك الارتباط ليست أمرا دستوريا معقدا؛ كل ما هو مطلوب مادة تنص على تعيين حدود المملكة؟ أهذه صعبة؟ مستحيلة؟ أم أن الابقاء على إغفال حدود المملكة دستوريا هو مقصود بذاته ومخبوء للمشاريع الإقليمية، سواء غربا أم شرقا أم شمالا؟
ثالثا، المخاوف من وقوع الجيش والمخابرات تحت سيطرة حكومة برلمانية غير موالية للدولة الوطنية الأردنية، يعلن، صراحة، أن مجتمعنا منشق على نفسه، وأنه لا يوجد اجماع وطني على الثوابت؛ فأي اصلاح سياسي وأي ديموقراطية في ظل انعدام المرجعية الوطنية الواحدة؟
رابعا، إن انجاز هذه المرجعية الوطنية الواحدة هو المهمة الأولى التي ينبغي النهوض بها. وهي تتطلب الحسم في ملفات الهوية الوطنية والاقتصادية للدولة، وتعيين حدودها، وتأمين استقلالها في اتخاذ القرار، وتحريرها من الخضوع لمتطلبات تمويل الميزانية؛ عجبا، كيف يروّج رئيس الوزراء لتعديل دستوري بهدف الاصلاح السياسي، بينما يقول هو نفسه أن الاقتصاد الأردني وصل إلى حد وصفه بـ’البائس’؟