حماس .. سياسيا ودستوريا

أعلن رئيس الوزراء, عون الخصاونة, أن قرار إبعاد قادة حماس إلى الخارج كان ‘خطأ سياسيا ودستوريا’. وبذلك, تكون الحكومات الأردنية منذ 1999 مدانةً بهذا الخطأ المزدوج الذي طالما تم تبريره, رسميا, بأنه ‘ قرار سيادي’ يتأسس على قرار سيادي آخر هو قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية. فبموجب فك الارتباط أصبحت التنظيمات الفلسطينية, أجنبيةً, وأصبح المواطن الأردني الذي ينتسب إليها, خارجا على القانون. وعليه, خيّر رئيس الوزراء الأسبق, عبد الرؤوف الروابده, قادة حماس بين التخلي عن الجنسية الأردنية وبين السجن وبين مغادرة البلاد.
كان ‘خطأ سياسيا’ ? هذا ما كنّا نلحّ عليه دائما, ونطالب, من دون جدوى, بتطبيع العلاقات مع حماس, باعتبارها, أي تلك العلاقات, ضرورية لخدمة المصالح الأردنية في الشأنين الفلسطيني والإقليمي. فحماس توازن الثقل الفتحاوي, وكانت, لوقت طويل, تمثّل مدخلنا المناسب للتفاهم مع محور الممانعة.

لكن الإطار الدولي الحاكم للسياسة الأردنية, وخصوصا التحالف مع الولايات المتحدة, لم يكن يسمح بتطبيع العلاقات مع حماس سابقا. الآن, وفي إطار الصفقة الكبرى الشغّالة بين واشنطن والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين, لاستيعاب مخرجات الربيع العربي بما لا يضر بالمصالح الأميركية, تولدت إمكانية للتراجع عن ذلك ‘ الخطأ السياسي’ المزمن. فحماس اليوم لم تعد النقيض للسياسات الفتحاوية, بل هي مشروع الوريث القوي لعملية السلام, خصوصا وأنها تغذّ الخطى نحو الخروج من المحور السوري – اللبناني – الإيراني.

نتحدّث, إذا, عن تغيير سياسي في الاصطفافات, لا عن مجرد خطأ سياسي يتم إصلاحه. والتأكيد على هذا المنحى مهم جدا لئلا يبيعنا أحد أن تصحيح الخطأ ذاك جاء استجابة لصواب فات وقته, بينما هو استجابة لمتغيّر في السياسة الأميركية وعنوان لصفقة داخلية.

‘خطأ دستوري’ ? طبعا. فالدستور يمنع إبعاد الأردني عن وطنه. لكن ماذا إذا كان هذا الأردني زعيما ل- أو عضوا في تنظيم سياسي غير أردني? وبالتالي, فهو خارج على القانون? والقانون, بالطبع, فوق الجميع.

رفض قادة حماس, دائما, التخلي عن الجنسية الأردنية لحل المعضلة. وهو موقف سياسي يتأسس على رفض قرار فك الارتباط, وبالتالي رفض اعتبار حركة حماس غير أردنية. إلا أن هذا الموقف غير متسق مع واقع اعتراف حماس بالسلطة الفلسطينية التي يشكّل النواب الحمساويون أغلبية مجلسها التشريعي. وأما الموقف المتسق لكل مَن يرفض فك الارتباط هو رفض الاعتراف بالسلطة الفلسطينية وهيئاتها واعتبار الضفة الغربية, جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية. وهو ما يتعارض مع الوقائع السياسية الفلسطينية والعربية والدولية المستجدة منذ قرار قمة الرباط العام 1974 بفصل الضفة عن المملكة.

هذه المعضلة ماثلة. وهي تشكّل العقبة الكبرى المسكوت عنها أمام الوحدة الوطنية والتطور السياسي للمملكة. وهي تكمن في جذر كل هواجس القلق الأردنية حيال مستقبل كيان وهوية الدولة. ولذلك, فقد اثارت تصريحات الخصاونة بشأن حماس, التساؤلات القلقة مرة أخرى. لماذا? لأن الخصاونة ربط بين شأن خارجي ( العلاقة مع حماس ) وبين الحقوق الدستورية للمواطنة من دون أن يلاحظ أن الحقوق تتبعها الواجبات أيضا.وأهم هذه الواجبات هو الخضوع لسيادة القانون.

لا يعني ذلك أن الأردنيين يرفضون تطبيع العلاقات مع حماس. بالعكس تماما. فالرأي العام الأردني يشجّع هذه الخطوة كمبادرة في السياسة الخارجية, ولكن ليس كسجال دستوري داخلي. ففي هذه الحالة, ستُثار الأسئلة الصعبة. وهي أسئلة ستظل تؤزّم المشهد السياسي الأردني طالما لم يجر إخضاع قرار فك الارتباط للإجراءات الدستورية والقانونية, بحيث يكون الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين, سياسيا ودستوريا.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.