ناهض حتّر
المشهد الدامي في بيت حانون في غزة، يعيد التأكيد على حقائق قديمة، ويفتح الأعين على ملاحظات جديدة.
ونبدأ بتكرار السؤال: هل يمكن، بالفعل، التعايش مع دولة مارقة مجرمة مدججة بالسلاح مثل اسرائيل؟ وهل من الواقعي الحديث عن حل سلمي معها.. من دون بناء امكانيات سياسية ودفاعية قادرة على لجمها؟
هذا السؤال مطروح على الشعوب العربيّة – وخصوصاً دول الطوق- ولا مناص منه. فالتهديد الاسرائيلي ماثل بالنسبة للجميع – وبالقدر نفسه- والفارق هو بين الخضوع لمتطلبات السياسة الاسرائيلية مقابل الأمن.. وبين الموت والدمار.
بهذا المعنى، فإن المقاومة – وحتى المعارضة – تجلبان العدوان الاسرائيلي، لكن علينا ان نتذكر أن الخضوع يعني القبول باحتلال الأراضي العربية لعام ،1967 والتخلي عن السيادة، وتصفية القضية الفلسطينية. وهو ما يخلق أضراراً فادحة بمصالح ومستقبل أربعة شعوب عربية في فلسطين والأردن وسورية ولبنان.. بالاضافة الى أنه ينسف بنية الأمن القومي العربي.
العدوان الاسرائيلي الحالي على غزة – مثله مثل العدوان الاسرائيلي على لبنان في الصيف الماضي- هو، في النهاية، محصلة سياسية.
– فالولايات المتحدة لا تغض الطرف عن أو تغطي هذا العدوان فقط. بل هي تراه جزءا من استراتيجيتها الشرق أوسطية. وقد لا تكون لدينا المعلومات الكافية للقول بأن العدوان على غزة يحدث بأوامر أمريكية مباشرة.. لكننا نستطيع الجزم بأنه يحدث في سياق أمريكي.
– التغطية الأسوأ للعدوان هي، للأسف، فلسطينية. صحيح ان رئيس «السلطة» ورموزها، أدانوا العدوان.. بل صحيح ، أيضا، ان العدوان لا يوفر أي فريق فلسطيني… لكن الهجوم السياسي المتواصل الذي تشنه الرئاسة الفلسطينية. وفتح- على الحكومة الحماسية.. خلق سياقا سياسيا للعدوان الاسرائيلي على غزة.
وهذه هي المرة الثانية – خلال عام- التي تتدخل فيها اسرائيل في الصراعات السياسية الداخلية: ضد حزب الله – مع قوى 14 شباط في لبنان- وضد حماس- مع فتح في فلسطين-
– المقاطعة العربية لحكومة حماس شكلت هي الأخرى – وتشكل- تغطية للعدوان، ولا يهمنا، هنا، الشجب الكلامي للجرائم الاسرائيلية. فعلى المستوى السياسي هناك حقيقة قائمة هي التي تحدد السياق الواقعي للأحداث.
علينا، إذن، أن نواجه الموقف الجديد بكل ضراوته:
إن اسرائيل تجتاح غزة باسم إئتلاف سياسي أمريكي.
والمؤلم أنه ليس في يد الشعب الفلسطيني لمواجهة هذا الإئتلاف الكبير- وأدواته العسكرية الاسرائيلية الجبارة – سوى بطولة نساء بيت حانون.
فأين آلاف المسلمين الذين نراهم في المسيرات والاشتباكات الداخلية والمظاهرات « المطلبية» المسلحة؟ اين كل ذلك الرصاص الذي يروِّع المدنيين، ويُهْدَر في الجنازات والاحتفالات؟
السلاح الفلسطيني لا يظهر- للأسف الشديد – بكل حضوره – في الميدان .. مثلما يظهر في الشوارع، وفي الصراع الداخلي.
رئيس الوزراء الفلسطيني، القائد الحماسي اسماعيل هنية يستنتج أن العدوان على غزة جاء بعد الفشل في إسقاط حكومته. وهذا صحيح. لكنه مضحك حينما لا تجد حكومة المقاومة سوى نساء بيت حانون للدفاع عنها!!
لقد انحنينا احتراما لحزب الله – ليس لأننا نوافقه على كل سياساته بل لأنه حصّن هذه السياسات بقدرات قتالية وإرادة لا تقهر، ولم يترك جماهيره لمصيرها. حماس- بالمقابل – تتبنى سياسات.. وتترك للشعب الفلسطيني الأعزل ان يدفع ثمنها.