حزمة واحدة

ناهض حتّر
عندما تعلن لجنة جيمس بيكر حول العراق، توصياتها، في مطلع العام المقبل، فالارجح ان «الكونغرس» الذي سيناقشها سيكون ذا اغلبية من الحزب الديمقراطي الذي يؤيد، اصلا، خطة انكفائية بشأن العراق.

لن يكون بامكان بوش الصغير، على كل حال، تجاهل تقرير «لجنة بيكر» التي توصلت الى استنتاج رئيسي عنوانه «الفشل». لكن من المرجح، ايضا، ان الادارة الجمهورية وعصابة «المحافظين الجدد»، سوف ترفضان «توصيات بيكر» التي تسرب منها اقتراح مزدوج «1» بجدولة الانسحاب من العراق «2» والتعاون مع سورية وايران للتوصل الى صيغة امنية – سياسية للخروج من مأزق الفوضى والحرب الاهلية.

علينا ان ندرك ان هذا الاقتراح «العملي»، من حيث أنه يسمح بمخرج من المأزق العراقي من دون المساس بالحد الادنى من المصالح الامريكية في العراق، يصطدم بحقيقة انه يفرض على واشنطن، تغييرات سياسية اخرى بشأن سورية «ولبنان» وايران، فالتعاون السوري – الايراني مع الامريكيين في بلاد الرافدين، لن يكون بلا ثمن.

الثمن، ههنا، معروف: وقف التصعيد ضد النظام السوري – وربما تحريك المفاوضات بشأن الجولان – ومصالحات متوازنة في لبنان – وربما فلسطين – وقفل او تسوية الملف النووي الايراني.

انه – بالنسبة لادارة بوش الصغير – ثمن باهظ جدا، مضمونه التراجع الكامل عن السياسات البوشية في الشرق الاوسط، ولذلك، فانه سيكون من الصعب على البيت الابيض، القبول باقتراح بيكر حول العراق.

لكن هذا التعقيد في المشهد السياسي للمنطقة، يُظهر ان العراق هو حجر الزاوية في البناء السياسي الشرق اوسطي، سواء بالنسبة للامريكيين ام لخصومهم.

لقد علقت الولايات المتحدة في العراق. وهي تنزف وتئن .. لكن تخليص ذيلها من الكماشة العراقية، لم يعد ممكنا إلاّ بقطعه. وعليها ان تختار هي ان يتم ذلك القطع بعملية جراحية تحت المخدر وبالرعاية الايرانية – السورية ام بالحجارة الحادة المتساقطة من البناء العراقي.

بوش الصغير سوف يمضي في طريق الهاوية حتى النهاية. وسوف يهشم رأس واشنطن، ولكن يكتفي بقطع ذيلها فقط، ووجعنا واسفنا هو ان ذلك يحدث على حساب العراق الذي سيصبح، عما قريب بلد المليون شهيد ايضا، بينا سوف يزيد عديد المشردين العراقيين عن عديد اشقائهم الفلسطينيين، يخلفون وراءهم بلدا مدمرا مقسما واقعا بين براثن قوى طائفية واثنيات رجعية وارهابية.

عندما يتحدث الرئيس الامريكي الان عن استمراره في دعم الحكومة العراقية برئاسة المالكي وتأكيد وحدة العراق، فانه يكذب – للاستهلاك المحلي – ويعلم انه يكذب، فالنهج الامريكي في البلد المنكوب وصل الى الجدار الاخير، ووضع العراق يتدهور الى الانفلات الامني الكامل، والتقسيم، والحرب الاهلية. لم تعد واشنطن، القوة الرئيسية في العراق، ولن يعود بامكانها، خلال اشهر، سوى التساوق مع قوى التقسيم الواقعية على الارض، والتفاهم معها لضمان مصالحها وبصورة دقيقة: لضمان قدرتها على اتباع سياساتها العدوانية في الشرق الاوسط.

وطالما ان هذه السياسات – مثلما رأينا – هي خدمة واحدة غير قابلة للتفكيك، فسيكون علينا ان ننتظر انفجارات مأساوية في كل زاوية من بلاد العرب والمسلمين: حرب اهلية في العراق وحرب اهلية في فلسطين وعدوان امريكي على ايران، وعدوان اخر اسرائيلي على سورية، ولبنان والنيران المندلعة، هنا وهناك سوف تعصف بالجميع، خلال السنتين القادمتين من حكم العصابة الاستعمارية المهووسة بالاجرام في البيت الابيض.

بالمقابل، الرد العربي – الاسلامي لن يكون ذا فعالية الا اذا كان شاملا، فقضايا المنطقة هي، ايضا، حزمة واحدة، ومركزها: العراق، فاذا نجح الوطنيون العراقيون في توحيد صفوفهم

Posted in Uncategorized.